×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

والانتقام، وهكذا كثيرٌ مما يصِفُ الرَّبُّ نفسَه بالعلمِ بالأعمالِ تحذيرًا وتخويفًا وترغيبًا في الخير، ويصِفُ نفسَه بالقدرةِ والسمعِ والرؤيةِ والكتابِ فمدلولُ اللفظِ مرادٌ منه، وأُرِيدَ أيضًا لازمُ ذلك المعنى.

وأمَّا لفظُ القُربِ فقد ذكرَه تارةً بصيغةِ المفرد، وتارةً بصيغةِ الجَمع، فالأوَّلُ إنَّما في إجابةِ الدَّاعي: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ[البقرة: 186] وكذلك في الحديث: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» ([1]) ([2])، وجاء بصيغةِ الجَمعِ في قولِه: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ[ق: 16]، وهذا مِثلُ قولِه: {نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ[القصص: 3]، {نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ[يوسف: 3]، {إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ[القيامة: 17] {فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ ١٨ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ ١٩[القيامة: 18- 19]، فالقرآنُ هنا حينَ يسمعُه من جِبريل، والبيانُ هنا بيانُه لمَنْ يبلُغُه القرآن، ومذهَبُ سَلفِ الأُمَّةِ وأئمتُها وخَلَفُها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمِعَ القرآنَ من جبريلَ، وجبريلُ سمِعَه من اللهِ عز وجل وأمَّا قولُه: «نتلو» «نقص» «فإذا قرأناه» هذه الصيغةُ في كلامِ العربِ للواحدِ العظيمِ الذي له أعوانٌ يُطيعونه، فإذا فعَل أعوانُه فعلاً بأمرِه قال: نحن فعلْنا، كما يقولُ المَلِك: نحن فتحْنَا هذا البلد، وهزمْنا هذا الجيش، ونحو ذلك؛ لأنَّه إنَّما يفعَلُ بأعوانِه، واللهُ تعالى ربُّ الملائكةِ وهم لا يَسبقُونه بالقولِ وهم بأمرِه يعملون، ولا يعصون اللهَ ما أمرَهم ويفعلونَ ما يُؤمَرُون، وهو مع هذا خالِقُهم وخالِق أفعالَهم وقدرتَهم وهو


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (2830)، مسلم رقم (2704).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2992)، ومسلم رقم (2704).