×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

الخامس: الاستيلاء سواءٌ كان بمعنى القدرةِ أو القهرِ أو نحو ذلك هو عامٌّ في المخلوقاتِ كالربوبية، والعرشُ وإن كان أعظمَ المخلوقات، ونِسبةُ الربوبيةِ إليه لا تنفي نسبتَها إلى غيرِه، كما في قولِه: {قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ[المؤمنون: 86]، وكما في دعاءِ الكرب ([1]) فلو كان استوى بمعنى استولى كما هو عامٌّ في الموجوداتِ كلِّها، لجَازَ مع إضافتِه إلى العرشِ أنْ يُقال: استوى على السماءِ وعلى الهواءِ والبحارِ والأرضِ وعليها ودونها ونحوِها، إذ هو مستوٍ على العرش، فلما اتفقَ المسلمون على أنه يقال: استوى على العرشِ ولا يُقال: استوى على هذه الأشياء، مع أنه يقال: استولى على العرشِ والأشياءِ علِم أنَّ معنى استوى خاصٌّ بالعرشِ ليس عامًا كعُموم الأشياء.

السادس: أنه أخبرَ بخلْقِ السماواتِ والأرضِ في ستةِ أيامٍ ثم استوى على العرش، وأخبرَ أنَّ عرشَه كان على الماءِ قبلَ خلْقِها، وثبتَ ذلك في «صحيح البخاري» ([2]) عن عِمرانَ بنِ حُصَين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ اللهُ وَلاَ شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ» ([3])، مع أنَّ العرشَ كان مخلوقًا قبلَ ذلك فمعلومٌَ أنه ما زال مُسْتوليًا عليه قبلَ وبعد، فامتنع أنْ يكونَ الاستيلاءُ العامُّ هذا الاستيلاءَ الخاصَّ بزمان، كما كان مختصًا بالعَرْش.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3190).

([2])أخرجه: البخاري رقم (6354)، ومسلم رقم (2730).

([3])أخرجه: البخاري رقم (3020).