فأما الأدِلَّة السَّمعِيَّة: فقد ذَكَرْتُ من هذا أمورًا
متعدِّدَة ممَّا يحتجُّ به الجَهمِيَّة والرَّافِضَة وغَيرُهم، مِثلُ احتِجاجِ
الجَهمِيَّة نُفاةِ الصفات بقوله: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢﴾[الإخلاص: 1-
2]، وقد ثَبَت في غَيرِ مَوضِعٍ أنَّها تدلُّ على نَقيض ِمَطلوبِهِم وتدلُّ على
الإثبات، وكَذلِكَ احتِجاجُهم على نَفْيِ الرُّؤية بقوله تعالى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ﴾[الأنعام: 103]؛ فإنَّها تدلُّ على إثباتِ الرُّؤية ونَفْيِ
الإِحاطَة، وكَذلِكَ الاحتِجاجُ بقوله: {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾[الشورى: 11]، ونحو ذلك.
والمقصود هنا الكلام على الأدلَّة العقليَّة؛ فإنَّ كلَّ مَن له
مَعرِفَة يَعرِف أنَّ السَّمعيَّاتِ إنَّما تدلُّ على إثبات الصفات، والمقصود هنا
الكلامُ على الأدِلَّة العقلِيَّة التي يحتَجُّ بها المُبطِل من الجَهمِيَّة -
نفاة الصفات - ومن المُمَثِّلة الذين يُمَثِّلونه بخَلْقِه، وعلى الأدِلَّة التي
يحتَجُّ بها القَدَرية النَّافِية والقَدَرية المُجْبِرة الجَهمِيَّة.
فإنَّ هَذَيْن الأصلَيْن - وهما الصِّفات والقَدَر، ويُسَمَّيان
التوحيد والعدل - هما أعظَمُ وأجلُّ ما تُكُلِّم فيه في الأصول، والحاجة إليهما
أعمُّ، ومَعرِفَة الحقِّ فيهما أنفَعُ من غَيرِهِما.
فنقول: إذا تدبَّر الخبير ما احتج به مَن يقول: إنَّ القرآن قديم، كالأشعريِّ وأتباعِهِ، ومَن وافَقَهُم كالقاضي وأبي المَعالِي وأبي الوليد البَاجِيِّ، وأبي منصور المَاتُرِيدِيِّ وغَيرِهم من الحَنبَلِيَّة والشَّافِعِيَّة والمالِكِيَّة والحَنَفِيَّة، لم توجد عند التحقيق تدلُّ إلاَّ على مَذهَب السَّلَف والأَئِمَّة الذي يدلُّ عَلَيه الكتاب والسُّنَّة، وكَذلِكَ إذا تدبَّر ما يحتَجُّ به من يقول: إن القرآن مَخلُوق، إنَّما يدل على قَولِ السَّلَف والأَئِمَّة.