×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ثمَّ ذَكَر الشَّيخُ حُجَج الفَريقِ الأوَّل فقال:

الحُجَّة الأُولَى: أنَّه لو لم يَكُن الكَلامُ قديمًا لَلَزِم أن يتَّصِف في الأزَلِ بضِدٍّ مِن أَضدَادِه؛ إمَّا السُّكوتُ وإمَّا الخَرَس، ولو كان أحدُ هَذَيْن قديمًا لاَمتَنَع زَوالُه وامتَنَع أن يكون مُتكلِّمًا فيما لا يزال، ولَمَّا ثَبَت أنَّه متكلِّم فيما لم يَزَل ثَبَت أنه لم يَزَل مُتكلِّمًا، وأيضًا فالخَرَس آفةٌ يُنَزَّه الله عنها.

والحُجَّة الثَّانِيَة: أنَّه لو كان مَخلُوقًا لكان قد خَلَقه إمَّا في نَفْسه أو في غَيرِه أو قائمًا بنَفْسِه: والأوَّل مُمتَنِع؛ لأنه يَلزَم أن يكون مَحِلًّا للحَوادِث، والثَّانِي باطلٌ لأنَّه يَلزَم أن يكون كلامًا للمَحَلِّ الذي خُلِق فيه، والثَّالثُ باطلٌ لأنَّ الكلام صفة، والصفة لا تقوم بنَفسِها، فلمَّا بَطَلت الأقسام الثلاثة تعيَّن أنَّه قديمٌ.

ثمَّ بدأ الشَّيخ يَنقُض أَقسامَ هَذِه الحُجَّة، فقال: أما الحُجَّة الأُولى فهي تدلُّ على مَذهَب السَّلَف، وأنَّه لم يَزَل متكلِّمًا إذا شاء وكيف شاء؛ فيدلُّ على أنَّ نوعَ الكلامِ قديمٌ، لا على أنَّه لم يتكلَّم بمَشِيئَته وقُدرَته، وأنَّ الكلام شيء واحد قديم؛ فتبيَّن أنَّ الأدِلَّة العقلِيَّة الصَّحِيحَة مِن جَميعِ الطَّوائِفِ إنَّما تدلُّ على تَصديقِ الأنبياء التي قال الله فيها: {سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ[فصلت: 53]، وهي من المِيزَان الذي أنزله الله تعالى.

إلى أن قال رحمه الله: وأمَّا ما يدَّعونه من الكَلامِ النَّفسانِيِّ: فذاك لا يُعقَل أن مَن خَلاَ عنه كان ساكتًا أو أخرَسَ، فلا يدلُّ بتَقديرِ ثُبُوته على أنَّ الخالِيَ عنه يجب أن يكون ساكتًا أو أخَرَسَ، وأيضًا فالكلام النفسانِيُّ الذي أثبَتُوه لم يُثبِتوا ما هو، بل ولا تصوَّرُوه وإِثباتُ الشيء 


الشرح