×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

فرعٌ عن تصوُّرِه، فمَن لم يتصوَّرْ ما يُثبِتُه كيف يجوز أن يُثبِتَه؟! ولهذا كان أبو سعيد بن كُلاَّبٍ رأس هَذِه الطائفة وإمامُها، هَذِه المسألة لا يَذكُر في بيانها شيئًا يُعقَل، بل يقول: هو معنًى يناقِضُ السُّكوت والخَرَس، والسُّكوت والخَرَس إنَّما يُتَصوَّران إذا تُصُوِّر الكَلامُ؛ فالسَّاكت هو السَّاكت عن الكَلامِ، والأَخرَس هو العاجز عنه، أو الذي حَصَلت له آفةٌ في مَحَلِّ النُّطق تَمنَعه عن الكَلامِ؛ وحِينَئِذٍ فلا يُعرَف السَّاكت والأَخرَس حتى يُعرَف الكَلامُ، ولا يُعرَف الكَلامُ حتى يُعرَفَ السَّاكت والأَخرَس.

فتبيَّن أنَّهم لم يَتصوَّروا ما قالوه ولم يُثبِتوه، بل هم في الكَلامِ يُشبِهون النَّصارى في الكَلِمة، وما قالوه في الأقانيم والتَّثلِيث والاتِّحَاد؛ فإنَّهم يقولون ما لا يَتصوَّرونه ولا يبيِّنونه، والرسل - عليهم الصلاة والسلام - إذا أخبروا بشيءٍ ولم نتصوَّرْه وجب تَصدِيقُهم، وأمَّا ما يَثبُت بالفعل فلا بُدَّ أن يَتصوَّرَه القائل به، وإلاَّ كان قد تكلم بلا علمٍ، فالنَّصارى تتكلَّم بلا علمٍ فكان كلامُهم مُتَناقضًا ولم يحصُل لهم قولٌ معقولٌ.

ولهذا كان ممَّا يُشَنَّع به على هَؤُلاءِ - يعني: الأَشاعِرَة - أنَّهم احتَجُّوا في أصلِ دِينِهم ومَعرِفَة حَقِيقَة الكَلامِ - كَلامِ الله وكلامِ جَميعِ الخَلْق - بقَولِ شاعِرٍ نَصرَانِيٍّ يُقال له الأَخْطَلُ:

إنَّ الكَـلاَمَ لَـفِـي الْفُـؤَادِ وَإِنَّمَـا

 

جُعِـلَ اللِّسـَانُ عَـلَى الْفُـؤَادِ دَلِيلاَ

وقد قالت طائفة: إنَّ هذا ليس من شِعرِه، وبِتَقدِير أن يكون من شِعرِه فالحَقائِقُ العقلِيَّة أو مُسمَّى لَفْظِ الكَلامِ الذي يتكلَّم به جَميعُ النَّاس لا يُرجَع فيه إلى قَولِ أَلْفِ شاعِرٍ فاضِلٍ، دَعْ أن يكون شاعرًا نصرانيًّا اسمه الأَخْطَلُ، والنَّصارى قد عُرِف أنَّهم يتكلَّمون في كَلِمة الله بما هو باطِلٌ.

***


الشرح