ثم المعاني التي يُثبِتها هَؤُلاءِ من الحقِّ، ويتأوَّلون
النُّصوص عليها حَسَنة جيِّدة، لكن الضَّلالَ جاء من جِهَةِ نَفيهِم ما زاد عليها.
وذلك مِثلُ: إِثباتِ المُتفَلسِفة الواجِبَ الوُجودِ، وأنَّ
الرُّوح غَيرُ البَدَن، وأنَّها باقِيَة بعد فِراقِ البدن، وأنها منعَّمة أو
معذَّبة نعيمًا وعذابًا رُوحانِيَّيْن، وكَذلِكَ ما يُثبِتونه من قُوَى البدن
والنَّفْس الصالحة وغير الصالحة.
كل ذلك حق، لكنَّ زَعْمَهم أن لا معنى للنُّصوص إلاَّ ذلك، وأن
لا حقَّ وراءَ ذلك، وأن الجنَّة والنَّار عبارة عن ذلك، وإنَّما الوَصفُ المَذكُور
في الكُتُب الإِلَهِيَّة أمثالٌ مَضرُوبة لتَفهِيم الرُّوحانِيِّ، وأن المَلائِكَة
والجِنَّ هي أعراض وهي قُوى النفس الصالحة والفاسدة، وأن الرُّوح لا تتحرك، وإنما
يَنكشِف لها حقائِقُ الكَونِ، فيكون ذلك قُربُها إلى الله، وأن مِعرَاج النَّبيِّ
صلى الله عليه وسلم هو من هذا الباب، وهذا النَّفي والتكذيب كُفْر.
وكَذلِكَ ما يُثبِته المتكلِّمة من أنَّ العبد يتقرَّب ببَدَنه
ورُوحه إلى الأماكنِ المفضَّلَة التي يظهر فيها نورُ الرَّبِّ كالسموات والمساجد
وكَذلِكَ المَلائِكَة، وهذا صحيح، لكنَّ دَعْواهم أنَّهم لا يتقرَّبون إلى ذات
الله، وأنَّ الله ليس على العرش؛ فهذا باطل، وإنَّما الصَّوابُ إِثباتُ ذلك
وإِثباتُ ما جاء به النصوص أيضًا من قُربِ العبد إلى ربِّه وتجلِّي الرَّبِّ
لعباده، بكَشْف الحُجُب المتَّصِلة بهم والمُنفَصِلة عنهم، وعمل العبد الذي هو دُنُوُّه
إلى ربه.
وقد تكلَّمْتُ في دُنُوِّ الرَّبِّ وقُربِه وما فيه النِّزاع
بين أهل السُّنَّة.
ثم بعض المتسنِّنَة والجُهَّال، إذا رأوا ما يُثبِته أُولَئِك
من الحقِّ قد يَفِرُّون من التَّصديق به، وإن كان لا مُنافاةَ بينه وبين ما
يُثبِته أُولَئِك من