×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

الحقِّ، قد يفرُّون من التصديق به وإن كان لا مُنافاةَ بينه وبين ما يُنازِعون أهلَ السُّنَّة في ثُبُوته، بل الجميع صحيحٌ، وربما كان الإِقرارُ بما اتُّفِق على إِثباتِه أهمُّ من الإقرار بما حَصَل فيه النِّزاع؛ إذ ذلك أظهَرُ وأبيَنُ، وهو أصلٌ للمتنازَعِ فيه؛ فيَحصُل بعضُ الفتنة في نَوعِ تكذيبٍ ونَفْي حالٍ أو اعتقاد كَمالِ المبتدعة، فيبقى الفريقان في بدعة وتكذيبٍ ببعض مُوجَب النُّصوص.

وسبب ذلك: أنَّ قلوب المُثبِتة تبقى متعلِّقة بإثبات ما نَفَتْه المبتدعة، وفيهم نَفْرة من قَولِ المبتدعة بسبب تكذيبهم بالحقِّ ونَفيِهم له، فيُعرِضون عمَّا يُثبِتونه من الحقِّ أو يَنفِرون منه أو يكذِّبون به، كما قد يصير بعضُ جُهَّال المتسنِّنة في إعراضه عن بعض فضائلِ عليٍّ وأهلِ البيت إذا رأى أهل البدعة يَغلُون فيهما، بل بعضُ المُسلِمين يصير في الإِعراض عن فضائِلِ موسى وعيسى بسبب اليهود والنصارى.

حتَّى يُحكَى عن قومٍ من الجُهَّال أنهم ربَّما شَتَموا المسيح إذا سمعوا النصارى يَشتُمون نبيَّنا في الحرب، وعن بعض الجُهَّال أنه قال: سُبُّوا عليًّا كما سبوا عَتِيقَكُم - يعني أبا بكر -، كُفْرٌ بكُفْرٍ وإِيمَان بإِيمَان!

ومثال ذلك في باب الصِّفات: أنَّ العبد إذا عَرَف ربَّه وأحبَّه، بل لو عَرَف غير الله وأحبَّه وتألَّهَه يبقى ذلك المَعرُوف المحبوب المعظَّم في القلب واللسان، وقد تَقْوَى به شِدَّة الوَجْد والمحبَّة والتَّعظِيم حتى يَستَغْرِق به ويَفنَى عن نَفْسِه، وكما قيل: إن رجلاً كان يحب آخَرَ فوقع المَحبُوب في اليمِّ فأَلقى الآخَرُ نَفْسَه خَلفَه، فقال: أنا وقعت فما الذي أوقعَكَ؟ فقال: غِبْتُ بك عنِّي فظَنَنْتُ أنَّك أنِّي، وهذا كما قيل:

مِثالُك في عَينِي وذِكْراك في فَمِي

 

ومَثْواك في قَلبِي فأيْن تَغِيبُ


الشرح