×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 صاحبي، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟!» فما أوذي بعدها ([1]).

وقد تواترَ في الصَّحيِح والسُّننِ أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لما مرِض قال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» مرتين أو ثلاثا، حتى قال: «إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ([2]).

فهذا التخصيصُ والتكرير والتوكيد في تقديمه في الإمامة على سائرِ الصَّحابَة مع حضورِ عمرَ وعثمانَ وعلي وغيرِهم مما بيَّن للأمة تقدُّمه عندَه صلى الله عليه وسلم على غيرِه، وفي الصَّحيِح أن جِنازةَ عمر لما وضعت جاء عليٌّ بن أبي طالب يتخلَّلُ الصفوف، ثم قال: لأرجو أن يجعلَك اللهُ مع صاحبيك فإني كثيرًا ما كنتُ أسمعُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» ([3])؛ فهذا يبين ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في مُدخلِه ومخرجِه وذهابه، ولهذا قال مالكٌ للرشيد لما قال له: يا أبا عبد الله أخبرني عن منزلةِ أبي بكر وعمر من النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: يا أمير المؤمنين منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، فقال: شفيق يا مالك.

وهذا يُبينُ أنه كان لهما من اختصاصِهما بصحبتِه ومؤازرتهما له على أمره ومباطنتهما مما يعلمه بالاضطرار كل من كان عالمًا بأحوال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وسيرته مع أصحابه، ولهذا لم يتنازع في هذا أحد من أهل العلم بسيرته وسنته وأخلاقه، وإنما ينفي هذا أو يقف فيه من لا يكون عالمًا بحقيقة أمور النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وإن كان له نصيب من كلام أو فقه أو حساب أو غير ذلك، أو من يكون قد سمع أحاديث مكذوبة


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4364).

([2])أخرجه: البخاري رقم (6873)، ومسلم رقم (418).

([3])أخرجه: البخاري رقم (3677)، ومسلم رقم (2389).