×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 تلك الطائفتين كان أحب إلى الله تعالى من فعله، فدل على أن الاقتتال لم يكن مأمورًا به، ولو كان مُعَاوِية كافرًا لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله، دل الحديث على أن مُعَاوِية وأصحابه كانوا مؤمنين كما أن الحسن وأصحابه مؤمنون، وأن الذي فعله الحسن كان محمودًا عند الله تعالى محبوبًا مرضيًا له ولرسوله.

وهذا كما ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصَّحيِحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِيْنِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاس فَتَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ» ([1])، وفي لفظ: «فَتَقْتُلُهُمْ أَدْنَاهُمْ إِلَى الحَقِّ»؛ فهذا الحديث الصَّحيِح دليل على أن كلا الطائفتين المقتتلتين: علي وأصحابه ومُعَاوِية وأصحابه على حق، وأن عليًا وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من مُعَاوِية وأصحابه.

فعلي بن أبي طالب هو الذي قاتل المارقين وهم الخَوارِج الحرورية الذين كانوا من شيعة علي، ثم خرجوا عليه وكفروه وكفروا من والاه، ونصبوا له العداوة وقاتلوه ومن معه، وهم الذين أخبر عنهم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصَّحيِحة المستفيضة بل المتواترة، حيث قال فيهم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِْسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، آَيَتُهُمْ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلاً مُخَدَّجَ اليَدَينِ لَهُ عَضَلَةٌ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ تَدَرْدَرُ» ([2]).


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1065).

([2])أخرجه: البخاري رقم (3414)، ومسلم رقم (1064).