وكذلك قولُه صلى الله عليه
وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ
يُصَلِّي فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ» ([1]) الحديث، حق على ظَاهرِه، وهو سبحانه فوقَ العرشِ وهو
قِبَلَ وجْهِ المصلى، بل هذا الوصفُ يثبت للمخلوقات، فإنَّ الإنسانَ لو أنه يُناجي
الشمسَ والقمرَ لكانتِ السماءُ والشمس والقمرُ فوقَه، وكانت أيضًا قِبَل وَجْهِه،
وقد ضربَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المَثلَ بذلك - وللهِ المَثلُ الأَعلى -
ولكنَّ المقصودَ بالتمثيلِ بيانُ جوازِ هذا وإمكانه، لا تشبيهُ الخالقِ بالمخْلوقِ
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيَري رَبَّهُ مُخْلِيًا بِهِ»، فقال له رزين
العقيلي: كيف يا رسولَ الله، وهو واحدٌ ونحنُ جميع؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه
وسلم: «سَأُنَبِّئُك بمِثْلِ ذلكَ في آلاءِ
الله، هذا القمرُ كلُّكم يراه مخليا به وهو آيةٌ من آياتِ اللهِ فاللهُ أكبر» ([2])، أو كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وقال: «إِنَّكُمْ
سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ» ([3]) فشَبَّه الرؤيةَ بالرؤيةِ وإنْ لمْْ يكُن المرئيُّ مُشابِها
للمرئي، فالمؤمنون إذا رأوا ربَّهم يومَ القيامةِ وناجُوه كلٌّ يراه فوقَه قِبَلَ
وَجهِه كما يري الشمسَ والقمرَ ولا مُنافاةَ أصلاً، ومن كان له نصيبٌ من المعرفةِ
باللهِ والرسوخِ في العلمِ بالله يكون إقرارُه للكتابِ والسُّنةِ على ما هما عليه
أوكد.
***
([1])أخرجه: البخاري رقم (406)، ومسلم رقم (547).
الصفحة 4 / 458