وكذلك له سمعٌ وعلمٌ وبصرٌ
حقيقة، وللعبدِ علمٌ وسمعٌ وبصرٌ حقيقة، وليس علمُه وسمعُه وبصرُه مثلَ علمِ اللهِ
وسمعِه وبصرِه، وللهِ كلامٌ حقيقة وللعبدِ كلامٌ حقيقة، وليس كلامُ الخالقِ مثلَ
كلامِ المخلوقين.
وللهِ تعالى استواءٌ على عرشِه حقيقة، وللعبدِ استواءُ الفُلْكِ
حقيقة، وليس استواءُ الخالقِ كاستواءِ المخلوقين، فإنَّ اللهَ لا يفتقِرُ إلى شيءٍ
ولا يحتاجُ إلى شيءٍ بل هو الغنيُّ عن كلِّ شيء، واللهُ تعالى يحمل العرش وحملته
بقدرته، ويمسك السماوات والأرض أن تزولا، فمن ظن أن قول الأئمة: إن الله مُستوٍ
على عرشِه حقيقةً يقتضي أنْ يكونَ استواؤُه مثلَ استواءِ العبدِ على الفُلكِ والأنْعامِ
لزِمَه أنْ يكونَ قولُهم: إنَّ اللهَ له علمٌ حقيقة، وسمعٌ حقيقة، وبصرٌ حقيقة،
وكلامٌ حقيقة، يقتضي أنْ يكونَ علمُه وسمعُه وبصرُه وكلامُه مثلَ المخلوقين
وسمعِهم وبصرِهم وكلامِهم.
إلى أن قال رحمه الله فمنْ ظنَّ أنَّ أسماءَ اللهِ تعالى وصفاتِه إذا كانت حقيقةً لزِمَ أن يكونَ مُمَاثِلاً للمخلُوقين، وأنَّ صفاتِه مماثلَةٌ لصفاتِه؛ كان من أجهلِ الناس، وكان أوَّلُ كلامِه سَفْسَطة وآخِرُه زَنْدَقة؛ لأنه يقتضي نفىَ جميعِ أسماءِ اللهِ وصفاتِه، وهذا هو غايةُ الزَّنْدقةِ والإلْحاد، ومنْ فرَّقَ بينَ صفةٍ وصفةٍ مع تَسَاوِيهما في أسبابِ الحقيقةِ والمجاز؛ كان مُتَناقضًا في قولِه، مُتَهَافتًا في مذهبِه، مُشَابِهًا لمنْ آمَنَ ببعضِ الكتابِ وكَفرَ بِبَعْض، وإذا تأمَّلَ الَّلبيبُ الفاضلُ هذه الأمورَ تبيَّنَ له أنَّ مذهبَ السَّلفِ والأئمةِ في غايةِ الاستقامةِ والسَّدادِ والصحةِ والاطِّرَاد، وأنه مُقْتضى المعقولِ الصريح، والمنقولِ الصحيح، وأنَّ مَن خالَفَه كان مع