ويجِدُ تفاوُتَ ذلك
الدُّنوِّ والقُرب، والرَّبُّ تعالى واسعٌ عليم، وسمِعَ سمعُه الأصواتَ كلَّها
وعطاؤُه الحاجاتِ كلها، وعطاؤُه الحاجاتِ كلها، ومن الناسِ من غلِط فظنَّ أنْ
قربَه من جنسِ حركةِ بدنِ الإنسانِ إذا مالَ إلى جهةٍ انصرفَ عن الأخرى، وهو يجِدُ
عملَ روحه يُخالِفُ عملَ بدنِه، فيجِدُ نفسَه تَقرَّبَ من نفوسِ كثيرٍ من الناسِ
من غيرِ أنْ ينصرِفَ قربُها إلى هذا عن قربِها إلى هذا، وكذلك يجِدُ في نفسِه
خضوعًا لبعضِ الناسِ ومحبة، ويجِدُ فيها إعراضًا عن قومٍ غيرِ ما هو قائمٌ
بالبَدن.
ففي الجملةِ ما نطقَ به الكتابُ والسُّنةُ من قُربِ الرَّبِّ من
عابديه وداعيه هو مقيد مخصوص، لا مطلق عام لجميع الخلق؛ فبطُلَ قولُ الحَلولية كما
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾[البقرة: 186]، فهذا قربه من داعيه.
وأمَّا قربُه من عابديه ففي مثلِ قولِه تعالى: {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ
أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ﴾[الإسراء: 57]، وقوله: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ فَرِيضَتِي» ([1])، وقال: «وَمَنْ
تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا» ([2]) فهذا قربُه إلى عبدِه وقُرْبُ عبدِه إليه، ودُنُوُّه
عَشِيَّةَ عرفة إلى السماءِ الدنيا لا يخرُجُ عن القسمين فإنه صلى الله عليه وسلم
قال: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ
عَرَفَةَ» ([3]) فدنوه لدعائكم.
وأما نزولُه إلى سماءِ الدنيا كلَّ ليلة؛ فإن كانَ لمن يدعوه ويسألُه ويستغفرُه فإنَّ ذلك الوقتِ يحصُلُ فيه من قُربِ الرَّبِّ إلى عابديه ما لا