ولهذا يقول بعض الحنبَلِيَّة: أنا أُثبِتُ مُتوسِّطًا بين تَعطيلِ
ابن عَقيلٍ وتَشبيهِ ابن حامدٍ.
والغَزَاليُّ في كلامه مادَّة فلسفية كبيرة بسبب كلام ابنِ
سِينَا في «الشِّفا» وغَيرِه، و«رسائل إخوان الصَّفَا» وكلام أبي حيانَ
التَّوحِيدي، وأمَّا المادَّة المُعتَزِلِيَّة في كلامه فقليلة أو معدومة، كما أن
المادة الفلسفية في كلام ابن عقيلٍ قليلة أو معدومة، وكلامه - أي: الغزالي - في «الإحياء»
غالِبُه جيد، لكن فيه موادُّ فاسدة: مادة فلسفية، ومادة كلامية، ومادة من
تُرَّهاتِ الصُّوفية، ومادَّة من الأحاديث الموضوعة، وبينه وبين ابن عقيل قدرٌ
مُشتَرَك من جِهَةِ تَناقُضِ المَقالاتِ في الصِّفات؛ فإنه قد يَكفُر في أحد
المصنَّفات بالمَقالَة التي يَنصُرُها في المُصنَّف الآخَرِ، وإذا صنَّف على
طريقةِ طائفةٍ غَلَب عَلَيهِ مَذهَبُها.
وأما ابن الخطيب - يعني: الرَّازِيَّ - فكثير الاضطراب جدًّا لا
يستقرُّ على حالٍ، وإنَّما هو بحثٌ وجَدَل بمنزلة الذي يَطلُب ولم يَهتَدِ إلى
مطلوبِه، بخِلافِ أبي حامدٍ فإنه كثيرًا ما يستقِرُّ.
والأَشعَرِيَّة الأَغلَب عليهم أنَّهم مُرجِئة في باب الأسماء
والأحكام، جَبْرِيَّة في باب القَدَر، وأمَّا في الصِّفات فليسوا جَهمِيَّة
مَحضَة، بل فيهم نَوعٌ من التَّجهُّم، والمُعتَزِلَة وَعِيدِيَّة في باب الأسماء
والأحكام، قَدَرِيَّة في باب القدر، وتَبِعهم على ذلك متأخِّرو الشِّيعة وزادوا
عليهم الإمامَةَ والتَّفضيل وخالَفُوهم في الوعيد، وهم أيضًا يَرَون الخُروج على
الأَئِمَّة، وأما الأَشعَرِيَّة فلا يَرَون السَّيفَ مُوافَقَةً لأهل الحديث، وهم
في الجُملَة أقرَبُ المتكلِّمين إلى مَذهَب أهلِ السُّنَّة والحديث،
والكُلاَّبِيَّة وكَذلِكَ الكَرَّامِيَّة فيهم قُربٌ إلى أهلِ السُّنَّة والحديث،
وإن كان في مقالَةِ كلٍّ من الأقوال ما يُخالِف السُّنَّة والحديث.
***
الصفحة 4 / 458