×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ذلك، ومعلومٌ بالاضطرارِ من دينِ الإسلامِ أنه لا يجوزُ إطلاقُ النَّفي على ما أثبتَه اللهُ تعالى من الأسماءِ الحسنى والصفات، بل هذا جَحْدٌ للخالِقِ وتمثيلٌ له بالمَعْدومات.

وقد قال أبو عمرَ بنُ عبد البر: أهلُ السُّنةِ مجمعون على الإقرارِ بالصفاتِ الواردةِ كلِّها في القرآنِ والسُّنةِ، والإيمانِ بها، وحملِها على الحقيقة لا على المَجَاز، إلاَّ أنهم لا يُكيِّفون شيئًا من ذلك ولا يَحدُّون فيه صفةً محصورة، وأما أهلُ البِدعِ من الجهميَّةِ والمعتزلةِ والخوارجِ فيُنْكرونها، ولا يَحمِلونها على الحقيقة، ويزعمون أنَّ منْ أقرَّ بها فهو مُشبِّه، وهم عند من أٌقر بها نافون للمعبودِ لا مُثبتون، والحقُّ فيما قاله القائلون بما نطَقَ به الكِتابُ والسُّنة، وهم أئمةُ الجماعة، انتهى ما نقلَه الشيخُ عن ابنِ عبدِ البَر.

ثم قال الشيخُ مُعلِّقًا عليه: وهذا الذي حكاه ابنُ عبدِ البرِّ عن المعتزِلةِ ونحوِهم هم في بعضِ ما ينفونه من الصفات، وأمَّا فيما يُثبتونه من الأسماءِ والصفات كالحيِّ والعليمِ والقديرِ والمتكلِّم، فهم يقولون: إنَّ ذلك حقيقة، ومن أنكَرَ أنْ يكونَ شيءٌ من هذه الأسماءِ والصفاتِ حقيقةً إنما أنكَرَه لجَهلِ مسمى الحقيقة، أو لكُفرِه وتعطيلِه لما يستَحِقُّه ربُّ العالمين، وذلك أنه قد يظُنُّ أنَّ إطلاقَ ذلك يقتضي أنْ يكونَ المخلوقُ مماثلاً للخلْق، يقال له: هذا باطل، فإنَّ اللهَ موجودٌ حقيقة، والعبدُ موجودٌ حقيقة، وليس هذا مثل هذا، واللهُ تعالى له ذاتٌ حقيقة، والعبدُ له ذاتٌ حقيقة، وليس ذاتُه كذَواتِ المخلوقات.


الشرح