أَمَّا الذَّمُّ لِوُلاَة الأُْمُور عَلَى الْمَنَابِر، وَفِي
الْمُحَاضَرَات الْعَامَّة، فَهَذِه لَيْسَت نَصِيحَة، هَذَا تَشْهِير، وَهَذَا
زَرْع لِلْفِتْنَة وَالْعَدَاوَة بَيْن الْحُكَّام وشُعُوبِهِم، وَهَذَا
يَتَرَتَّب عَلَيْه أَضْرَار كَبِيرَة، قَد يَتَسَلَّط الْوُلاَة عَلَى أَهْل
الْعِلْم وَعَلَى الدُّعَاة بِسَبَب هَذِه الأَْفْعَال، فَهَذِه تُفْرِز مِن
الشُّرُور وَمِنْ الْمَحَاذِير أَكْثَر مِمَّا يُظَنُّ فِيهَا مِن الْخَيْر.
فَلَو رَأَيْت عَلَى شَخْصٍ عَادِيٍّ مُلاَحَظَة أَو وَقْع فِي مُخَالَفَة
ثُمّ ذَهَبْت إِلَى الْمَلَأ وَقُلْتَ: فُلاَن عَمَل كَذَا وكذا؛ لاَعْتُبِر هَذَا
مِن الْفَضِيحَة وَلِيس مِن النَّصِيحَة، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ» ([1]).
وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَاد أن يُنَبِّه عَلَى شَيْء
لاَ يَخُصُّ قومًا بِأَعْيَانِهِم بَل يَقُوْل: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا» ([2])؛ لأَنّ التَّصْرِيح
بِالأَْسْمَاء يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصْلُح، بَل رُبَّمَا لاَ يَكُون فِيْه
صَلاَح، بَل فِيه مُضَاعَفَة سَيِّئَة عَلَى الْفَرْد وَعَلَى الْجَمَاعَة.
وَطَرِيق النَّصِيحَة مَعْرُوف، وَأَهْل النَّصِيحَة الَّذِين يَقُومُون
بِهَا لابد أن يَكُونُوا عَلَى مُسْتَوَى مِن الْعِلْم وَالْمَعْرِفَة،
وَالإِْدْرَاك وَالْمُقَارَنَة بَيْن الْمَضَارّ وَالْمَصَالِح، والنظر فِي
الْعَوَاقِب.
رُبَّمَا يَكُون إنْكَار الْمُنْكَر منكرًا كَمَا قَال شَيْخ الإسلام رحمه الله، وَذَلِك إِذَا أَنْكَر الْمُنْكَر بِطَرِيقَة غَيْر شَرْعِيَّة؛ فَإِن الإِْنْكَار نَفْسَه يَكُون منكرًا لَمَّا يُولِّد مِن الْفَسَاد، وكذلك النَّصِيحَة بِغَيْر الطَّرِيقَة الشَّرْعِيَّة رُبَّمَا نُسَمِّيهَا فَضِيحَة ولا نُسَمِّيهَا نَصِيحَة، نُسَمِّيهَا تشهيرًا، نُسَمِّيهَا إثَارَة، وَنُسَمِّيهَا زِيَادَة فِتْنَة إِذَا جَاءَت بِغَيْر الطَّرِيق الشَّرْعِيِّ الْمَأْمُور بِه.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2699).
الصفحة 2 / 144
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد