الردُّ عَلَى مَن قَسَّمَ
البِدَعَ إِلى حَسَنٍ وقَبِيحٍ
قال الشيخُ رحمه الله: مِنَ الناسِ مَن يَقُولُ: البِدَعُ تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَينِ لِقَولِ عُمرَ: نِعْمَتِ البِدعَةُ ([1])، وبِأَشْيَاءَ أُحْدِثَتْ بَعدَهُ صلى الله عليه وسلم ولَيْسَتْ مَكْرُوهةً للأَدِلَّةِ مِنَ الإجمَاعِ والقِياسِ، وربُّما ضَمَّ إلى ذَلكَ مَن لَم يَحْكُم أُصُولَ العِلْمِ مَا عَليهِ كَثِيرٌ مِن الناسِ مِنَ العَادَةِ، بِمَنْزِلَةِ مَن {وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ﴾[المائدة: 104]، وما أكثرَ مَن يُحْتَجُّ بِه مِن المُنْتَسِبينَ إلى عِلمٍ أو عِبَادَةٍ، بِحُجَجٍ لَيْسَتْ مِن أُصُولِ العِلمِ، وقَد يُبْدِي ذَوُو العِلمِ لَه مُستَنَدًا مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، واللهُ يَعلَمُ أنَّ قَولَهُ لَها وعَمَلَهُ بِها لَيسَ مُسْتَنِدًا إلى ذلكَ، وإنَّما يَذْكُرها دَفعًا لِمن يُنَاظِرُه، والأدلَّةُ المَحمُودَةُ إنَّما هِيَ إبداءُ المَدَارِكِ التي هِي مُسْتَنَدُ الأَقْوَالِ والأَعْمَالِ، وأمَّا إِظْهَارُ غَيرِ ذلك فنَوعٌ مِن النِّفَاقِ فِي العِلمِ والعَمَلِ، وهَذهِ قَاعِدَةٌ دَلَّتْ عَلَيها السُّنَّةُ والإجْمَاعُ مَعَ الكِتَابِ، قَالَ اللهُ تعالى: {أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ﴾[الشورى: 21]، فَمَنْ نَدبَ إلى شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ به إلى اللهِ أو أَوْجَبَه بِقَولِه أو فِعْلِه مِن غَيرِ أنْ يُشَرِّعَهُ اللهُ فَقد شَرعَ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأذَنْ بِه اللهُ، وقَد يُغْفَرُ له لأجلِ تَأويلٍ إذا كان مُجْتَهِدًا الاجْتِهَادَ الذي يُعْفَى مَعه عَن المُخْطِئِ، لكنْ لا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ فِي ذلك كما قال تَعَالَى: {ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾[التوبة: 31]، فمَن أطَاعَ أَحَدًا فِي دِينٍ لم يَأْذَنْ بِه اللهُ مِن تَحْلِيلٍ أو تَحْرِيمٍ أَوِ اسْتِحْبَابٍ أو إيجَابٍ فقد لَحِقَهُ مِن هَذا الذمِّ نَصِيبٌ كما يَلْحَقُ الآمرُ الناهِي،
([1])أخرجه: البخاري رقم (280).