ثم قد يَكُونُ كلٌّ مِنهُما مَعفوًا عنه
فَيَخْتَلِفُ الذمُّ لِفَواتِ شَرْطِه أو وُجُودِ مَانِعِه وإن كَانَ المقْتَضِي
له قائمًا، ويَلْحَقُ الذمُّ مَن تَبَيَّنَ له الحَقُّ فَتَرَكَهُ أو قَصَّرَ فِي
طَلَبِه فَلم يَتَبَيَّن لَه أو أعْرَض عَن طَلَبِه لِهوًى أو كَسلٍ ونَحْوِ
ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإنَّ اللهَ عَابَ على المُشرِكينَ شَيْئَينِ: أَحَدُهُما:
أنَّهم أَشْرَكُوا به مَا لَم يُنَزِّلْ به سُلطانًا، والثاني: تَحْرِيمُهم ما لم
يُحَرِّمْهُ اللهُ كما بَيَّنَه صلى الله عليه وسلم في حديثِ عِياضٍ ([1])، وقال: {سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ
لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن
شَيۡءٖۚ﴾[الأنعام: 148]،
فجمَعُوا بينَ الشِّركِ والتحْرِيمِ، والشِّركُ يَدخُلُ فِيه كلُّ عِبادةٍ لَم
يَأْذَنِ اللهُ بِهَا؛ فإنَّ المُشرِكينَ يَزْعُمُونَ أنَّ عِبَادَتُهم إما
واجِبَةٌ وإمَّا مُسْتَحَبَّةٌ، ثم مِنهُم مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ لِيَتَقرَّب به
إلى اللهِ، ومنهُم مَنِ ابْتَدَعَ دِينًا عَبدَ به اللهَ كما أَحْدَثَتِ
النَّصَارَى مِنَ العِبَادَاتِ، وأصلُ الضَّلالِ فِي أهلِ الأَرْضِ إنَّمَا نَشَأَ
مِن هَذَينِ: إمَّا اتَّخاذُ دينٍ لَم يُشَرِّعْهُ اللهُ أو تَحْريمُ ما لَم
يُحَرِّمْهُ.
ولِهَذا كانَ الأصلُ الذي بَنَى عليه أحمَدُ وغيرُه
مَذَاهِبَهُم أنَّ الأَعْمَالَ عِباداتٌ وعاداتٌ؛ فالأَصلُ في العِباداتِ لا
يُشْرَعُ مِنها إلاَّ ما شَرَعَهُ اللهُ، والأصلُ فِي العَادَاتِ لا يُحْظَرُ
مِنهَا إلاَّ مَا حَظَرَهُ اللهُ، وهَذِه المَوَاسِمُ المُحْدَثَةُ إنَّمَا نُهِيَ
عنها لِمَا أُحْدِثَ فيها مِنَ الدِّينِ الذي يُتَقَرَّبُ بِه.
وقصَدَ الشيخُ رحمه الله مِن هَذِه المَوَاسِمِ مَواسِمَ
المَوَالِدِ والأَعْيَادِ البِدْعِيَّةِ التي أَحْدَثَها الخُرَافِيُّونَ
وأصْحَابُ المَطَامِعِ الدنيَوِيَّةِ فَرَاجَتْ عِندَ العَامَّةِ والسُّذَّجِ
يَحْسَبُونَها مِن دينِ الإسلامِ وهِيَ مِن دِينِ الشيطانِ.
وسُئِلَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله عن رَجُلٍ قالَ: إِذَا كَانَ المُسلِمُون مُقَلِّدينَ، والنَّصَارَى مُقَلِّدينَ واليهودَ مُقلِّدينَ؛ فَكيفَ وَجْهُ الردِّ على النَّصَارى
([1])أخرجه: مسلم رقم (2865).