والمقدمةُ الثانيةُ: أنه أَخْبَرَ أنَّ رِسَالَتَهُ عامَّةٌ إلى أهلِ الأَرْضِ مِنَ
المُشرِكينَ وأهلِ الكِتَابِ، وأنه لَمْ يَكُنْ مُرْسَلاً إِلَى بَعْضِ النَّاسِ
دُونَ بَعْضٍ، وهَذَا أَمْرٌ مَعلومٌ بِالضَّرُورَةِ والنَّقْلِ المُتَوَاتِرِ
والدَّلائِلِ القَطْعِيَّةِ، وأما اليَهُودُ والنَّصَارَى فَأَصْلُ دِينِهِم
حَقٌّ، كَمَا قَالَ تَعَالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ
هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[البقرة: 62]، لَكِنْ كُلٌّ مِن الدِّينينِ مُبْدَلٌ
مَنْسُوخٌ فإن اليَهُودَ بَدَّلُوا وحَرَّفُوا ثم نُسِخَ بقيَّةُ شَرِيعَتِهِم
بالمَسِيحِ صلى الله عليه وسلم.
ونَفْسُ الكُتُبِ الَّتِي بِأَيدي اليَهُودِ والنَّصَارَى مثلُ
نُبُوةِ الأنبياءِ، وهِيَ أكَثْرُ مِن عِشرينَ نُبوَّةً وغَيرُهَا تَبَيَّنَ أنهم
بَدَّلُوا وأنَّ شَرِيعَتَهُم تُنْسَخُ، وتَبَيَّنَ صِحةُ رِسالةِ مُحمَّدٍ صلى
الله عليه وسلم فإنَّ فِيها مِنَ الأَعْلاَمِ والدَّلائِلِ على نُبُوَّةِ خَاتَمِ المُرْسَلَيِنَ
مَا قَدْ صَنَّفَ فيه العلماءُ مُصَنَّفَاتٍ، وفِيهَا أَيْضًا مِنَ التَّنَاقُضِ
والاختِلاَفِ ما يُبَيِّنُ أَيْضًا وقُوعَ التَّبديلِ، وفِيها مِنَ الأخْبَارِ مَا
يُبَيِّنُ أنها مَنْسُوخَةٌ؛ فعِندَهُم ما يَدلُّ على هذهِ المَطَالِبِ، وقَد
نَاظَرَنا غَيرُ واحِدٍ مِن أَهْلِ الكِتَابِ وبَيَّنَا لَهُم ذَلكَ وأَسْلَم مِن
عُلَمَائِهم وخِيارِهم طَوَائِفُ، وصَارُوا يُنَاظِرُونَ أهلَ دِينِهِم
ويُبَيِّنُونَ مَا عِندَهُم مِنَ الدَّلائِلِ على نُبوَّةِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه
وسلم وهذا مِنَ الحِكْمَةِ فِي إبقاءِ أهلِ الكِتَابِ بالجِزْيَةِ إِذ عِندَهُم
مِنَ الشَّوَاهِدِ والدَّلائِلِ على نُبوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وعندَهُم
مِنَ الشَّواهِدِ علَى ما أَخْبَر بِه مِنَ الإيمَانِ باللهِ واليَومِ الآخِرِ مَا
يُبَيِّنُ أَنَّ مُحَمدًا صلى الله عليه وسلم جاءَ بالدينِ الذي بُعِثَتْ بِه
الرُّسُلُ قَبْلَهُ وأَخْبَرَ مِن توحيدِ اللهِ وصِفاتِه بمِثلِ ما أخبرتْ بِه
الأَنْبِيَاءُ قَبلَهُ، قال تَعَالى: {قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ
عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ
عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ﴾[الأحقاف: 10]،
الصفحة 7 / 458