×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

فإذا عُلم أنهُ نَبيٌّ كيفَما كانَ لَزِم أَن يَكُونَ ما أَخْبَرَ به عنِ اللهِ حقًّا، وإذا كانَ رَسُولُ اللهِ وجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي كلِّ ما يَأْمُرُ بِه، كَمَا قال تَعَالَى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ[النساء: 64]، وإذا أخْبَرَ أنهُ رَسُولُ اللهِ إلى أهلِ الكِتَابِ وأنهُ تَجِبُ عَلَيْهِم طَاعَتُهُ كانَ ذلكَ حَقًّا، ومَنْ أَقَرَّ بأنهُ رَسُولُ اللهِ وأنْكَرَ أنْ يَكُونَ مُرسَلاً إِلَى أَهلِ الكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ مَن يَقُولُ: إنَّ مُوسَى كانَ رَسُولاً ولَم يَكُنْ يَجِبُ أن يَدْخُلَ أرضَ الشامِ ولا يُخْرِجُ بَنِي إِسرائيلَ مِن مصرَ، وأنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بذلكَ، وأنَّ اللهَ لم يأْمُرُه بالسَّبتِ ولا أنزلَ عَليهِ التَّورَاةَ ولا كَلَّمَهُ عَلَى الطًّورِ، ومَن يَقُولُ: إنَّ عِيسى كَانَ رَسُولَ اللهِ لم يُبْعَثْ إِلَى بَنِي إسرائِيلَ ولا كَانَ يَجِبُ على بَنِي إِسْرَائِيلَ طَاعَتَهُ وأنهُ ظَلَمَ اليَهُودَ وأمثالُ ذَلكَ مِن المَقَالاتِ، ولِهَذا قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ[النساء: 150]، إلى قَولِهِ: {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمۡ يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ[النساء: 152] الآية، وقَالَ لِبَنِي إِسرَائِيلَ: {أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ[البقرة: 85] إِلَى قَولِهِ: {وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ[البقرة: 85].

فَهَذِه الطَّرِيقةُ الوَاضِحَةُ البَيِّنَةُ القَاطِعَةُ يُبَيَّنُ بها لِكُلِّ مُسلمٍ ويَهُودِيٍّ ونَصْرَانِيٍّ؛ أَنَّ دِينَ المُسْلِمينَ هُو الحَقُّ دُونَ اليَهُودِ والنَّصَارَى فَإنها مَبْنِيةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَينِ: إحداهما: أنَّ نبوَّةَ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم ورِسَالتَهُ وهُدَى أُمَّتهِ أبينُ وأوضحُ، تُعلمُ بِكُلِّ طَريقٍ تُعلَمُ بها نُبوَّةُ مُوسَى وعِيسَى - عليهما الصلاة والسلام - وزيادةٌ، فلا يُمكِنُ القَولُ بأنَّهُما نَبِيَّانِ دُونَه لأجلِ ذلكَ، وإنْ شَاءَ الرجلُ استَدَلَّ على ذلك بنَفْسِ الدعوةِ وما جَاء بِه، وإنْ شَاءَ بالكِتَابِ الذي بُعِثَ بِه وإن شاءَ بما عَليهِ أُمَّتُه، وإن شَاءَ بما بُعِث به مِنَ المُعجِزَاتِ؛ فكلُّ طريقٍ مِن هذه الطُّرُقِ إذا تَبَيَّنَ بِهَا نُبوَّةُ مُوسَى وعِيسَى كانَتْ نُبُوَّةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بِهَا أَبْيَنَ وأَكْمَلَ.


الشرح