ثُمَّ خُلَفَاؤُه مِن بعدِه ومَن مَعُهَما مِن المُهَاجِرينَ
والأَنْصَارِ قَدْ غَزُوا الرُّومَ كَمَا غَزُوا فَارِسَ وقاتَلُوا أهلَ الكِتَابِ
كَمَا قَاتلُوا المَجُوسَ فقاتلُوا مَن قاتَلَهُم وضَرَبُوا الجِزيةَ عَلَى مَن
أَدَّاها مِنهم عَن يَدٍ وهُم صَاغِرُونَ.
ويَمْضِي شيخُ الإسْلاَمِ ابنُ تَيمِيَّةَ فِي ردِّهِ على مَن يَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى مُقَلِّدُون كما أنَّ المُسلِمينَ مُقَلِّدُون فَلا لَومَ عَلَى الجَمِيعِ! فَيَقُولُ رحمه الله: مِنَ الأحَادِيثِ الصحيحَةِ عنه صلى الله عليه وسلم «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ وَلاَ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ فَلاَ يُؤْمِنُ بِي إلاَّ دَخَلَ النَّارَ» ([1]) قال سَعِيدُ بنُ جُبَيرٍ: تَصديقُ ذَلكَ فِي كِتَابِ اللهِ تعالى: {وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ﴾[هود: 17]، ومَعْنَى الحَدِيثِ مُتَواتِرٌ عنه مَعْلُومٌ بالاضْطِرَارِ؛ فإذا كَانَ الأَمْرُ كذَلكَ لَزِمَ بِأنهُ رَسُولٌ اللهِ إِلَى كُلِّ الطَّوَائِفِ، فإنَّهُ يُقَرِّرُ بأنَّهُ رَسُولُ اللهِ إلى أَهْلِ الكِتَابِ وغيرِهِم، فإنَّ رَسُولَ اللهِ لا يَكْذِبُ، ولاَ يَقْتُلُ النَّاسَ عَلَى طَاعَتِهِ بِغَيرِ أَمْرِ اللهِ ولا يَسْتَحِلُّ دِماءَهُم وأموالَهُم ودِيَارَهُم بغيرِ إذنِ اللهِ، فمَنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ أمَرَه بِذلكَ وفَعَلَه ولَمْ يَكُنِ اللهُ أمَرَهُ بِذَلِكَ؛ كانَ كَاذبًا مُفْتَرِيًا ظَالِمًا: {وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ﴾[الأنعام: 93]، وكانَ مَعَ كَونِه ظَالِمًا مُفْتَرِيًا مِن أعْظَمِ المُرِيدينَ فِي الأَرضِ عُلُوًّا وفَسَادًا، وكانَ أشرَّ المُلُوكِ الجَبَابِرَةِ الظالِمِينَ، فإنَّ المُلوكَ الجَبَابِرَةَ الذينَ يُقَاتِلُونَ الناسَ عَلَى طَاعَتِهِم لا يَقُولُونَ: إنا رُسُلُ اللهِ إِلَيكُم، ومَنْ أَطَاعَنَا دَخَل الجنَّةَ ومَن عَصَانا دَخَل النارَ، بل فِرعونُ وأمثالُهُ لا يَدْخُلونَ فِي مثلِ هَذَا ولا يَدَخلُ فِي هذا إلاَّ نَبِيٌّ صَادِقٌ أو مُتَنَبِّئٌ كذَّابٌ كَمُسَيلِمَةَ والأسودِ وأمثالِهِمَا.
([1])أخرجه: مسلم رقم (153).