×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا[الإسراء: 36]، وقال تعالى: {قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ[الأعراف: 33] إلى أَنْ قَالَ: ولَيسَ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ أنَّ المُسلمِينَ نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي الرُّوحِ بِمَا دَلَّ عَليه الكِتَابُ والسُّنةِ لا فِي ذَاتِها ولا فِي صِفَاتِها، وأمَّا الكَلاَم بِغَيرِ عِلمٍ فذلِكَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ شَيءٍ، ولكن قد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحينِ عنِ ابنِ مَسعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، فَيُسْمِعَكُمْ مَا تَكْرَهُونَ! فَقَالَ: فَسَأَلُوُهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى الْعَسِيبِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيةَ فَبَّينَ بذلكَ أَنَّ مُلْكَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وجُنُودَهُ وصفةَ ذلكَ وقُدرتَهُ أَعظَمَ مِن أَنْ يُحِيطَ به الآْدَمِيُّونَ وهُم لَم يُؤْتَوا مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً» ([1])؛ فلا يَظُنَّ مَن يَدَّعِي العِلمَ أنه يُمْكِنُه أن يَعْلَمَ كُلَّ ما سُئِلَ عَنه، ولا كُلَّ مَا فِي الوُجُودِ، فمَا يَعْلَمُ جُنودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ.

انتَهَى كَلاَمُ الشيخِ رحمه الله ومُلَخَّصُهُ فِي موضوعِ الرُّوحِ: أنَّها مخلُوقةٌ وليستْ مِن ذَاتِ اللهِ، وأنَّ معنَى قولِه فِي عِيسَى عليه السلام: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171]؛ أي: مِن خَلْقِهِ وأَمْرِهِ؛ كَمَا فِي قولِه تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ[الجاثية: 13]، فمِن هُنا لَيْسَتْ تَبعيضيَّةً وإنما هِي لابتداِء الغايةِ كقَولِه تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ[النحل: 53]؛ أي: بخلقِه وبتقدِيرِهِ وأمْرِهِ وغَيرِ ذَلكَ، وتَبَيَّنَ مِن كَلامِ الشَّيخِ أَيضًا أنه لا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ المَقْصُودُ بِالرُّوحِ فِي قولِه: {قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي[الإسراء: 85]؛ أنَّ المُرَادَ بِهَا رُوحُ الآدَمِيِّ؛ لأنَّ الرُّوحَ فِي القُرآنِ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (7018)، ومسلم رقم (2794).