×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

قالَ الشيخُ رحمه الله: والوجهُ الثاني: أن لفظةَ «مِن» فِي اللُّغَةِ تَكُونُ لِبَيَانِ الجِنسِ كَقَولِهِم: بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ، وقَد تَكُونُ لابْتِدَاءِ الغَايَةِ كَقولِهِم: خَرَجْتُ مِن مَكَّةَ، فقولُه تعالى: {قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي[الإسراء: 85]؛ لَيْسَ نَصًّا في أن الرُّوحَ بعضُ الأمرِ ومِن جِنْسِهِ، بل قَدْ تَكُونُ لابْتِدَاءِ الغَايةِ إذ كُوِّنتْ بالأمرِ وَصَدَرَتْ عَنه، وهذا مَعْنى جَوابِ الإمَامِ أحمدَ فِي قولِه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171] حيثُ قال: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171]، يَقُولُ: مِن أَمْرِه كانَ الرُّوحُ منه؛ كقولِه: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ[الجاثية: 13]، وَنَظِيرُ هذا أَيْضًا قولُه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ[النحل: 53]، فإذَا كَانَتِ المُسَخَّرَاتُ والنِّعَمُ مِنَ اللهِ ولم تَكُنْ بَعْضُ ذاتِه بل مِنه صَدَرَتْ لَم يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قولِه في المسيحِ: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171] أنها بَعْضُ ذَاتِ اللهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ قولَه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171] أبلغُ مِن قولِه: {ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي[الإسراء: 85]، فإذَا كَانَ قولُه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ[النساء: 171] لا يَمْنَعُ أن يَكُونَ مَخْلُوقًا ولا يُوجِبُ أَنْ يَكُون ذلك بَعْضًا له بل ولا بَعْضًا مِن أَمْرِهِ.

ثُمَّ قال الشيخُ وقَد يَجِيءُ اسمُ الرُّوحِ فِي القُرآنِ بمِعنى آخرَ كقولِه: {وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ[الشورى: 52] وقولِه: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ[المجادلة: 22] ونَحْوِ ذَلكَ؛ فالقُرآنُ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ كَلامَهُ.

ثُمَّ أجابَ الشيخُ رحمه الله عن قَولِ السَّائلِ عَنِ الرُّوحِ: هَلِ المُفَوَّضُ إلى اللهِ أمرُ ذَاتِهَا أو صِفَاتِهَا أو مَجْمُوعِهِما؟

فقال: لَيسَ فِي خَصَائِصِ الكَلامِ فِي الرُّوحِ، بل لا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يَقْفُوَ ما لَيسَ له بِه عِلمٌ ولاَ يَقُولُ عَلَى اللهِ مَا لا يَعْلَمُ، قَالَ تعالى:


الشرح