قالَ الشيخُ رحمه الله: والوجهُ الثاني: أن لفظةَ «مِن»
فِي اللُّغَةِ تَكُونُ لِبَيَانِ الجِنسِ كَقَولِهِم: بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ، وقَد
تَكُونُ لابْتِدَاءِ الغَايَةِ كَقولِهِم: خَرَجْتُ مِن مَكَّةَ، فقولُه تعالى: {قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 85]؛ لَيْسَ
نَصًّا في أن الرُّوحَ بعضُ الأمرِ ومِن جِنْسِهِ، بل قَدْ تَكُونُ لابْتِدَاءِ
الغَايةِ إذ كُوِّنتْ بالأمرِ وَصَدَرَتْ عَنه، وهذا مَعْنى جَوابِ الإمَامِ أحمدَ
فِي قولِه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171] حيثُ قال: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171]،
يَقُولُ: مِن أَمْرِه كانَ الرُّوحُ منه؛ كقولِه: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ﴾[الجاثية: 13]، وَنَظِيرُ هذا أَيْضًا قولُه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ﴾[النحل: 53]،
فإذَا كَانَتِ المُسَخَّرَاتُ والنِّعَمُ مِنَ اللهِ ولم تَكُنْ بَعْضُ ذاتِه بل
مِنه صَدَرَتْ لَم يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قولِه في المسيحِ: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171] أنها بَعْضُ ذَاتِ اللهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ
قولَه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171] أبلغُ مِن قولِه: {ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 85]، فإذَا كَانَ قولُه: {وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾[النساء: 171]
لا يَمْنَعُ أن يَكُونَ مَخْلُوقًا ولا يُوجِبُ أَنْ يَكُون ذلك بَعْضًا له بل ولا
بَعْضًا مِن أَمْرِهِ.
ثُمَّ قال الشيخُ وقَد يَجِيءُ اسمُ الرُّوحِ فِي القُرآنِ
بمِعنى آخرَ كقولِه: {وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ
رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ﴾[الشورى: 52] وقولِه: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ﴾[المجادلة: 22] ونَحْوِ ذَلكَ؛ فالقُرآنُ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ
كَلامَهُ.
ثُمَّ أجابَ الشيخُ رحمه الله عن قَولِ السَّائلِ عَنِ
الرُّوحِ: هَلِ المُفَوَّضُ إلى اللهِ أمرُ ذَاتِهَا أو صِفَاتِهَا أو
مَجْمُوعِهِما؟
فقال: لَيسَ فِي خَصَائِصِ الكَلامِ فِي الرُّوحِ، بل لا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يَقْفُوَ ما لَيسَ له بِه عِلمٌ ولاَ يَقُولُ عَلَى اللهِ مَا لا يَعْلَمُ، قَالَ تعالى: