صَريحٌ في أنَّها بَعْضُ أمرِ اللهِ لَمْ يَكُنِ المُرَادُ
بِلفظِ الأَمْرِ إلاَّ الْمَأْمُورِ به لا المَصْدَرُ؛ لأنَّ الرُّوحَ غَيرُ
قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا، تَذْهَبُ وتَجِيءُ وتُنَعَّمُ وتُعَذَّبُ، وهذا لا
يُتَصَوَّرُ أن يَكُونَ مُسَمَّى مَصدرٍ: أَمَرَ يَأْمُرُ أَمْرًا، وهذَا قولُ
سلفِ الأُمَّةِ وأئِمَّتِها وجمْهُورِها، ومَن قَال مِنَ المُتَكَلِّمينَ: إنَّ
الرُّوحَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالجِسمِ فَليِسَ عِندَه مَصدرُ، أَمَرَ يَأمُرُ
أَمْرًا.
والقُرآنُ إذا سُمِّي أمرُ اللهِ فَالقُرآنُ كَلامُ اللهِ،
والكَلامُ اسمُ مصدرِ: كَلَّم يُكَلِّمُ تَكلِيمًا وكَلامًا، فإذا سُمِّي أَمْرًا
بِمَعْنَى المَصدرِ كَانَ ذَلكَ مُطَابِقًا لا سيَّمَا، والكَلاَمُ نَوعَانِ:
أَمْرٌ وخَبَرٌ، أمَّا الأَعيَانُ القَائِمَةُ بِأَنْفُسِهَا فَلا تُسَمَّى
أَمْرًا إلاَّ بِمَعْنَى المَفعولِ به وهُو المَأْمُورُ بِه كَمَا سُمِّيَ
المَسِيحُ كلمةً لأنهُ مَفْعُولٌ بالكَلِمَةِ، وكَمَا يُسَمَّى المَقْدُورُ قُدرةً
والجنةُ رحمةً والمَطَرُ رحمَةً فِي مِثلِ قولِهِ تَعَالَى: {فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ
مَوۡتِهَآۚ﴾[الروم: 50]
وفِي قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرويِه عَن ربِّه أنه قال
للجنَّةِ: «أنت رحمتي أرحم بك مَنْ شِئْتُ»
([1]).
ثُمَّ ذَكَر الشيخُ رحمه الله عَنْ أَبِي قُتَيْبَةَ أنواعَ الرُّوحِ المَذكُورةِ فِي القُرآنِ فَقَالَ: هِيَ رُوحُ الأَجْسَامِ التِي يَقْبِضُها اللهُ عندَ المَمَاتِ، والرُّوحُ جِبريلُ، قال تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ﴾[الشعراء: 193]، وقال: {وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ﴾[البقرة: 87]؛ أي جبريلَ، والرُّوحُ فِيمَا ذَكَرَهُ المُفَسِّرونَ مَلكٌ عَظِيمٌ مِنَ مَلائِكَةِ اللهِ تَعَالى يَقُومُ وَحْدَهُ فَيَكُونُ صَفًّا وتَقُومُ المَلائِكَةُ صَفًّا، وقَالَ تَعَالى: {وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 85] قال ابنُ قُتَيْبَةَ: ونَسَبَ الرُّوحَ إلى اللهِ لأنَّهُ بِأَمْرِه أو لأنه بكَلِمَتِه - يَعْنِي عِيسَى -.
([1])أخرجه: البخاري رقم (4850)، ومسلم رقم (2846).