×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

أم لَيْسَ فِيهِم إلاَّ نُذُرٌ؟ على قَولَينِ، فَقِيلَ: فِيهِم رُسُلٌ لِقَولِه تعالى: {يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ[الأنعام: 130]، وقيلَ: الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ، والجَنِّ فِيهِم النذرُ، وهذا أَشْهَرُ، فإنه أَخْبَر عَنهُم باتِّبَاعِ دِينِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأنَّهم أنذروا قومهم، قال تعالى: {وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ ٢٩ قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٣٠[الأحقاف: 29- 30] الآية، قالُوا: وقولُه: {أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ[الأنعام: 130] كقولِه: {يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ[الرحمن: 22]، وإنما يَخْرُج مِن المَالِح، وكقولِه: {وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا[نوح: 16] والقمرُ في واحدةٍ.

وأمَّا التكليفُ بالأَمْرِ والنَّهْيِ والتَّحليلِ والتَّحريمِ فدَلائِلُهُ كَثيرةٌ، مثلُ ما فِي مُسلمٍ عَن عَبدِ اللهِ ابنِ مَسعُودٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ»، فانْطَلَقُوا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَ سَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تستنجوا بالعظم ولا بالروث» ([1])، وذلك لئلاَّ يَفسَدَ عليهم طعَامُهم وعلفُهُم، وهذا يُبيِّنُ أن ما أَبَاحَ لَهُم مِن ذلك مَا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَليهِ دُونَ مَا لَم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليهِ.

وقال تَعَالَى: {وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ[الأنفال: 48] إلى قولِه: {إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ[الأنفال: 48]، فَأَخْبَرَ عَنِ الشَّيطانِ أنه يَخَافُ اللهَ، والعُقُوبَةُ إنَّمَا تَكُونُ علَى تَرْكِ مَأمُورٍ أو فِعلِ مَحْظُورٍ،


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (450).