×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

إلى أن قال: وأيضًا فقولُه تعالى: {يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ[الأنعام: 130] إلى قولِه: {وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ[الأنعام: 130]، فبيَّنَ أن الثقَلَينِ جَمِيعًا تَلَتْ عَليهِم الرُّسُلُ آياتِ اللهِ، والدَّلائِلُ الدَّالَّةُ على هَذَا الأصْلِ ومَا فِي الحَديثِ وَالآثَارِ مِن كَونِ الجِنِّ يَحُجُّون ويُصَلُّون ويُجَاهِدُون، وأنًّهم يُعاقِبونَ على الذنبِ؛ كَثيرةٌ جِدًّا، وقد قال تَعَالى فِيما أَخْبَرَ عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا[الجن: 11]، قَالُوا: مَذاهِبَ شَتَّى؛ مُسلمينَ ويهودَ ونَصَارَى وشيعةً وسُنَّةً، فأَخْبَر أَنَّ مِنهُم الصالِحُونَ ومِنْهُم دُونَ الصالِحينَ، فيَكُونُ إما مُطِيعًا فِي ذلك فَيَكُونُ مُؤمِنًا، وإمَّا عَاصِيًا فِي ذلك فيَكُونُ كَافِرًا، ولا يَنْقسِمُ مُؤمنٌ إلى صَالِحٍ وغيرِ صَالِحٍ، فإنَّ غَيرَ الصَّالِحِ لا يُعتَقَدُ صَلاَحُهُ لِتَرْكِ الطَّاعَاتِ، فالصَّالِحُ هُو القائِمُ بِمَا وجَبَ عليه، ودُونَ الصَّالِح لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا فِي بعضِ مَا أُمِرَ به، وهُو قِسمُ غيرُ الكَافِرِ، فإنَّ الكَافِرَ لا يُوصَفُ بِمثلِ ذلك، وهذا يُبَيِّنُ أنَّ فيهم مَن يَتْرُكُ بعضَ الوَاجِبَاتِ، انْتَهَى ما أَوْرَدَهُ الشيخُ فِي هذا المَعْنَى.

وفِي زَمَانِنَا هَذا مَن يُنْكِرُ وُجودَ الجِنِّ اعْتِمَادًا على عَقْلِه الكَاسِدِ ونَظَرِهِ القَاصِرِ، ولأنَّهُ لا يُؤمِنُ بالغَيبِ، ولا شَكَّ أنَّ إنكارَ وُجودِ الجِنِّ كُفرٌ ورِدَّةٌ عَنِ الإسْلاَمِ لأنَّهُ مُكَذِّبٌ للهِ ولِرَسُولِه ولإجْمَاعِ المُسلِمينَ، حيثُ جاءَ ذِكرُ الجِنِّ فِي كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، وأجَمْعَ العُلَمَاءُ على وُجُودِهِم، ومِنَ الكُتَّابِ المُعَاصِرين مَن يُقِرُّ بُوجُودِ الجِنِّ ولكنهُ يُنكِرُ صَرْعَهُم للإنْسِيِّ ودُخُولَهم فيه، وهذا ضَلاٌل وخَطَأٌ واضِحٌ لأنه قد ثَبَتَ بالأَدِلَّةِ وبِالوَاقِعِ المُشَاهَدِ صَرْعَهُم للإنْسِ، والوَاجِبُ عَلَى المُسلمِ أَنْ


الشرح