×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وأمَّا البَهَائِمُ فَجَمِيعُهَا يَحْشُرُها اللهُ سُبحانَهُ كما دَلَّ عليه الكِتَابُ والسُّنَّةُ قال تعَالَى: {وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ[الأنعام: 38]، وقال تعالى: {وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ[التكوير: 5]، وقال تعالى: {وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ[الشورى: 29]، حَرفُ «إِذَا» إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَأتِي لا مَحَالَةَ، والأحادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشهُورَةٌ، فإنَّ اللهَ عز وجل يومَ القِيامَةِ يَحْشُرُ البَهَائِمَ ويَقْتَصُّ ([1]) لِبَعْضِهَا مِن بَعْضٍ ثُم يَقُولُ لَهَا: كُونِي تُرابًا فَتَصِيرُ تُرَابًا، فيقول الكَافِرُ حِينَئِذٍ: {يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا[النبأ: 40] ومَن قَالَ: إِنَّها لا تَحْيَا فَهُو مُخطِئٌ فِي ذلكَ أَقْبَحَ خَطَأٍ، بل هُو ضَالٌّ أو كَافِرٌ، واللهُ أعلَمُ.

وقال الشيخُ رحمه الله: كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ، فإنه سُبحَانَهُ فَطَر القُلُوبَ على أَنْ لَيْسَ فِي مَحْبُوبَاتِهَا ومُرَادَاتِهَا ما تَطْمَئِنُّ إليه وتَنْتَهِي إليه إلاَّ اللهُ، وإلا فَكُلَّمَا أَحَبَّه المُحِبُّ يَجِدُ مِن نفسِه أنَّ قَلْبَهُ يَطلُبُ سِوَاه، ويَجِبُ أَمْرًا غَيرَه بِتَأَلُّهِهِ ويَصِمُد إليه ويَطْمَئِنُّ إليه ويَرَى مَا يُشْبِهُهُ مِن أَجْنَاسِهِ، ولِهَذَا قَالَ: {أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ[الرعد: 28]، وقال رحمه الله ردًا لِقولِ مَن قَالَ فِي مَعنى قولِهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى الْفِطْرَةِ» ([2])؛ كُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى مَا سَبَقَ لَه فِي عِلمِ اللهِ أنه سَائِرٌ إليهِ، قالَ: مَعلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ بِهَذِه المَثَابَةِ؛ فَجَمِيعُ البَهَائِمِ هِيَ مَولُودَةٌ على ما سَبَقَ فِي عِلمِ اللهِ لَهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كُلُّ مَخْلُوقٍ مَخْلُوقًا عَلَى


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2582).

([2])أخرجه: البخاري رقم (1292)، ومسلم رقم (2658).