فقَالَ: وأَمَّا الرِّدَّةُ عَنِ الإسلاَمِ بِأَنْ يَصِيرَ
الرَّجُلُ كَافِرًا مُشْرِكًا أَوْ كِتَابِيًا فَإنَّهُ إذا مَاتَ عَلَى ذَلكَ
حَبِطَ عَمَلُهُ باتِّفَاقِ العُلَمَاءِ كَمَا نَطَقَ بِذلكَ القُرآنُ فِي غيرِ
مَوضعٍ كَقَولِه: {وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن
دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا
وَٱلۡأٓخِرَةِۖ﴾[البقرة: 217]، وقولِه: {وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ
فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ﴾[المائدة: 5]، وقولِه: {وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[الأنعام: 88]، وقولِه: {لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ
عَمَلُكَ﴾[الزمر: 65]، ولَكِن تَنَازَعُوا فِيمَا إذا ارتدَّ ثُمَّ
عَادَ إلى الإسلامِ؛ هَل تَحْبِطُ الأعمالُ التي عَمِلَها قَبلَ الرِّدَّةِ أم لا
تَحْبِطُ إلاَّ إذا مَاتَ مُرتدًا؟ على قَولَينِ مَشْهُورَينِ، هُمَا قَولانِ فِي
مَذهَبِ الإمَامِ أَحمدَ، والحُبوطُ مذهَبُ أَبِي حَنيفةَ ومَالكٍ، والوقوفُ
مذهَبُ الشافِعِيِّ، وتَنَازعَ الناسُ أَيضًا فِي المُرتَدِّ؛ هل يُقَالُ: كانَ له
إِيمانٌ صحيحٌ يَحْبِطُ بِالرِّدَّةِ، أم يُقَالُ: بل بالرِّدَّةِ تَبَيَّنَّا أن
إيمَانَهُ كَانَ فَاسِدًا وأنَّ الإيمَانَ الصحيحَ لا يَزُولُ ألبتةَ؟ على
قَوْلَينِ لِطَوَائِفِ الناسِ، وعلَى ذَلكَ يُبْنَى قُولُ المُسْتَثْنِي: أنا
مُؤمِنٌ إن شَاءَ اللهُ؟ هل يَعُودُ الاسْتِثْنَاءُ إِلَى كَمَالِ الإيمَانِ؟ أو
يَعُودُ إِلَى المُوافَاةِ فِي المَالِ.
وسُئِلَ الشيخُ رحمه الله: هَل جَميعُ الخَلقِ - حتَّى المَلائِكَةِ - يَمُوتُون؟ فأجَابَ: الذي عليهِ أَكْثَرُ الناسِ أنَّ جَميعَ الخَلقِ يَمُوتُونَ حَتَّى المَلائِكَةُ وحتَّى عِزْرَائِيلُ، مَلَكُ المَوتِ، ورُوِيَ فِي ذَلكَ حَدِيثٌ ([1])مرفوعٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمُسلِمُونَ واليَهُودُ والنَّصَارَى مُتَّفِقُونَ على إمْكَانِ ذَلكَ وقُدرَةُ اللهِ عليه، وإنَّما يُخَالِفُ فِي ذلكَ طَوَائِفُ مِنَ المُتَفَلْسِفَةِ أَتباعِ أَرِسطُو وأَمْثَالُهم ومَن دخَلَ مَعَهُم مِن المُنْتَسِبينَ إِلَى الإسلامِ، أو اليَهُودِ
([1])أخرجه: إسحاق بن راهويه في «مسنده» رقم (10)، والبيهقي في «الشعب» رقم (2353).