صَعْقُ الْغَشيِ جَازَ صَعقُ المَوتِ، وهَؤُلاءِ
المُتَفَلْسِفَةِ لا يَجُوزُونَ لا هَذا ولا هَذا، وصعقُ الغَشيِ هُو مِثلُ مُوسَي
عليه السلام قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ
لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ﴾[الأعراف: 143].
والقرآنُ قد أَخْبَرَ بِثَلاثِ نَفْخَاتٍ: نَفخةِ الفَزَعِ
ذَكَرَها فِي سُورَةِ النَّملِ فِي قولِه: {وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ
فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ﴾[النمل: 87]،
ونفخةِ الصعقِ والقِيَامِ ذَكَرهُمَا في قولِه: {وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن
فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ
فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ﴾[الزمر: 68].
وأما الاستِثْنَاءُ يَعْنِي قولَه: {إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ﴾[النمل: 87]،
فهُو مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ فِي الجَنَّةِ مِن الحُورِ العِينِ؛ فإنَّ الجَنَّةَ ليس
فِيهَا مَوتٌ ومُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِهِم ولا يُمْكِنُ الجَزمُ بِكُلِّ مَنِ
اسْتَثْنَاهُ اللهُ؛ فإنَّ اللهَ أطلقَ فِي كِتابِه، وقد ثَبَتَ فِي الصَّحيحِ
أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِنَّ
النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ،
فَأَجِدُ مُوسَي آخِذًا بِسَاقِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي هَلْ أَفَاقَ قَبْلِي
أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَاهُ اللهُ» ([1])، وهذه الصعقةُ قد قيل: إنها رَابِعَةٌ، وقيل: إنها مِنَ
المَذْكُورَاتِ فِي القُرآنِ.
وبُكِلِّ حَالٍ: النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد تَوقَّفَ فِي مُوسَى، وهل هُو داخِلٌ فِي الاسْتِثْنَاءِ فِيمَن اسْتَثْنَاهُ اللهُ أم لا؟ فإذَا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يُخبرْ بِكُلِّ مَن اسْتَثْنَاهُ اللهُ لم يُمكِنَّا نحنُ أن نَجزِمَ بذلك، وصَارَ هذا مِثلَ العِلمِ بوقتِ الساعةِ وَأعْيَانِ الأنبِيَاءِ وأمثالُ ذلك مما لم يُخْبَر بِه، وهذا العِلمُ لا يُنَالُ إلاَّ بِالخَبَرِ.
([1])أخرجه: البخاري رقم (3407)، ومسلم رقم (2373).
الصفحة 4 / 458