ثم منها ما يُمْسَكُ فَلا يُرسَلُ إلى بَدَنِه، وهُو الذي قُضِىَ عليه بالمَوتِ، ومِنها مَن يُرسَلُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، هذا إنما يَكُونُ فِي شَيءٍ يَقُومُ بِنَفْسِه لا فِي عَرَضٍ قَائِمٍ بِغَيرِه، فَهُو بَيَانٌ لِوجُودِ النفسِ المُفَارِقَةِ بِالمَوتِ والأحَادِيثِ الصحيحَةِ تُوَافِقُ هَذا كَقَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ فَإنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» ([1])، وقَالَ لَمَّا نَامُوا عَنْ صَلاَةِ الفَجرِ: «إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا حَيْثُ شَاءَ ([2]) وقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٦٠ وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ ٦١ ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ ٦٢﴾[الأنعام: 60- 62]، فهَذَا تَوَفٍّ لهَا بالنَّومِ إلى أَجَلِ المَوتِ الذي تَرجِعُ فيه إِلَى اللهِ، وإخبارِ أَنَّ المَلائِكَةَ تَتَوَفَّاهُم بِالمَوتِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى اللهِ، والبَدَنُ وما يَقُومُ بِه مِنَ الأَعْرَاضِ لا يُرَدُّ، إنما يُرَدُّ الرُّوحُ، وهو مِثلُ قولِه فِي يُونُسَ: {ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ِ﴾[الأنعام: 62] وقال تعالى: {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰٓ﴾[العلق: 8] وقال تعالى: {يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي ٣٠﴾[الفجر: 27- 30]، وقال تعالى: {قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ﴾[السجدة: 11]، وتَوَفِّي المَلَكُ إنَّما يَكُونُ لِمَا هُو مَوجُودٌ قائِمٌ بنفسِهِ، وإلاَّ فالعَرَضُ القَائمُ بِغَيرِه لا يُتوفَّى، فالحَيَاةُ القَائِمَةُ بِالبَدَنِ لا تَتَوَفَّى بل تَزُولُ وتَعدمُ كما تُعدَمُ حَرَكَتُه وإدراكُهُ.