×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وقال تعالى في سُورَةِ المؤمنونَ: {حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٠٠[المؤمنون: 99- 100]، فقوله: {ٱرۡجِعُونِطَلَبٌ لِرَجْعِ النفسِ إِلَى البَدَنِ؛ كَمَا قالَ فِي الواقِعَةِ: {فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ ٨٦ تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٨٧[الواقعة: 86- 87]، وهو يُبَيِّنُ أنَّ النفسَ مَوجُودَةٌ تُفَارِقُ البَدنَ بالمَوتِ، قال تعالى: {كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ[المؤمنون: 100]

وسُئِلَ الشيخُ رحمه الله عن الرُّوحِ المُؤمِنَةِ، أنَّ المَلائِكَةَ تَتَلَقَّاها وتَصْعَدُ بِها إلى السَّماءِ التي فِيهَا اللهُ؟

فأجَابَ رحمه الله بقولِهِ أما الحَدِيثُ المذكُورُ فِي قَبضِ رُوحِ المُؤمنِ، وأنها يَصْعَدُ بِها إلى السَّمَاءِ التي فيها اللهُ؛ فهَذا حَدِيثٌ مَعرُوفٌ جَيِّدُ الإسنادِ.

وقولُه: فيها؛ بمَنزِلَةِ قولِه تَعَالَى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ١٦ أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ ١٧[الملك: 16- 17]، وبِمَنْزِلَةِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحيحِ «أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجَارِيَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟» فَقَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ([1])، وليس المُرادُ بذلكَ أنَّ السَّمَاءَ تَحْصُرُ الرَّبَّ وتَحوِيهِ كَما تَحوي الشمسَ والقَمَرَ وغيرَهُمَا؛ فإنَّ هَذا لا يَقُولُهُ مُسلمٌ، ولا يَعْتَقِدُه عَاقِلٌ فَقَدْ قَالَ سبحانه: {وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ[البقرة: 255] والسَّمَاوَاتُ فِي الكُرسيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضٍ فَلاَةٍ، والكُرسِيُّ فِي


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (537).