«بِاسْمِكَ رَبِّي
وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا،
وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» ([1]).
والنائمُ يحصُلُ له في منامه لَذَّة وألم، وذلك يحصل للرُّوح
والبدن حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه
أنه طعم شيئًا طيبًا فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لرُوحه
وبدنه من النعيم والعذاب ما يَحُسُّ به والذي إلى جنبه لا يَحُسُّ به حتى قد يصيح
النائم من شدة الألم أو الفَزَع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما
بقرآن وإما بذكر وإما بجواب، واليقظان يسمع؛ ذلك وهو نائمٌ عَيْنُه مُغْمَضَة، ولو
خوطب لم يسمع؛ فكيف يُنْكَرُ حالُ المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم
أنه يسمع قرع نعالهم ([2])؟! وقال: «مَا
أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» ([3]).
والقلبُ يُشبِهُ القَبر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لما فاتَتْه صلاةُ العصرِ يومَ الخَنْدَق: «مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» ([4])، وفي لفظ: «قُلُوبَهُم وَقُبُورَهُمْ نَارًا» ([5])، وفَرَّق بينهما في قولِه: {۞أَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ ٩ وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ ١٠﴾[العاديات: 9- 10] وهذا تقريبٌ وتقريرٌ لإمكانِ ذلك، ولا يجوزُ أن يُقال: ذلك الذي يَجِدُه الميِّتُ من النَّعيمِ والعذابِ مثلَما يجِدُه النائمُ في منامِه، بل ذلك النعيمُ والعذابُ أكملُ وأبلغُ وأتَم، وهو نعيمٌ حقيقيٌّ وعذابٌ حقيقي، ولكنْ يُذكَرُ هذا المثلُ
([1])أخرجه: البخاري رقم (6320)، ومسلم رقم (2714).
الصفحة 4 / 458