وإن كان الترابُ قد لا يتغيَّرُ فالأرواحُ تُعادُ إلى بدَنِ
الميتِ وتفارقُه، وهل يُسمَّى ذلك موتًا؟ فيه قولان، قيل: يُسمَّى ذلك موتًا،
وتأوَّلوا على ذلك قولَه تعالى: {رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ
وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ﴾[غافر: 11] قيل: إنَّ الحياةَ
الأولى في هذه الدارِ والحياةَ الثانيةَ في القبرِ والموتةَ الثانيةِ في القَبر،
والصَّحيِح أنَّ هذه الآيةَ كقولِه: {وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا
فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ﴾[البقرة: 28]، فالموتةُ الأُولى قبلَ هذه الحَياة،
والموتةُ الثانيةُ بعدَ هذه الحياة، وقولُه تعالى: {ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ﴾بعدَ الموت؛
قال تعالى: {مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً
أُخۡرَىٰ﴾[طه: 55]، وقال
تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ﴾[الأعراف: 25].
فالرُّوحُ تتَّصِلُ بالبَدنِ متى شاء اللهُ تعالى، وتفارِقُه متى شاء اللهُ تعالى، لا يتوقَّفُ ذلك بمرةٍ ولا مرتين، والنومُ أخو المَوت، ولهذا كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا أَوَى إلى فراشِه: «بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا» ([1])، وكان إذا استيقظَ يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» ([2])؛ فقد سَمَّى النومَ موتًا والاستيقاظَ حياة، وقد قال تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ﴾[الزمر: 42]؛ فبيَّن أنه يَتوفَّى الأنفسَ على نوعين: فيتوفَّاها حين الموت، ويتوفَّى الأنفسَ التي لم تمُتْ بالنوم، ثم إذا ناموا فمَنْ ماتَ في منامِه أمسكَ نفسَه ومن لمْ يمُتْ أرسلَ نفسَه، ولهذا كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أوَى إلى فراشِه قال:
([1])أخرجه: البخاري رقم (5953).