قال الشيخ رحمه الله: ففي هذا
الحديث أنواع من العلم:
منها: أن الرُّوح تبقى بعد مفارقة
البَدَن؛ خلافًا لضُلاَّل المتكلمين، وأنها تصعد وتنزل خلافًا لضُلاَّل الفلاسفة،
وأنها تُعاد إلى البَدَن، وأن الميت يُسأل فيُنعَّم أو يُعذَّب، وفيه: أن عمله
الصالح أو السيئ يأتيه في صورة حسنة أو قبيحة، ثم أورد الشيخ رحمه الله أحاديثَ
بهذا المعنى، ثم قال: فقد أخبرت هذه النصوص أن الرُّوح تُنعَّم مع البَدَن الذي في
القَبْر إذا شاء الله.
وقد روى ابن أبي الدُّنْيَا في كتاب
«ذكر الموت»، عن مالك بن أنس قال: بلغني أن الرُّوح مُرسَلة تذهب حيث شاءت، وهذا
يوافق ما روى: أن الرُّوح قد تكون على أفنية القبور؛ كما قال مجاهد: إن الأرواح
تدوم على القبور سبعة أيام يوم يُدفن الميت لا تفارق ذلك.
وقد تُعاد الرُّوح إلى البَدَن في
غير وقت المسألة؛ كما في الحديث الذي صححه ابن عبد البَرّ عن النَّبيّ صلى الله
عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ
يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ
رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عليه السلام » ([1]).
وفي «سنن أبي داود» وغيره، عن أَوْس بن أًوْس الثقفي، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إَنَّ خَيْرَ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، قالوا: يا رسول الله، كيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أَرِمْتَ؟! فقال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَْرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَْنْبِيَاءِ» ([2]).
([1])انظر: «تفسير ابن كثير» (3/ 439)، و«حاشية ابن القَيِّم على السُّنن» (11/ 93).