وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ما يَضِيق هذا الوقتُ عن استقصائه
مما يبين أن الأبدان التي في القبور تُنَعَّم وتُعَذَّب - إذا شاء الله ذلك كما
يشاء - وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومُنعَّمَة ومُعَذَّبة، ولهذا أمر النَّبيّ
صلى الله عليه وسلم بالسلام على الموتى؛ كما ثبت في «الصَّحيِح» و«السنن»: أنه كان
يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السَّلاَمُ
عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ
لَلاَحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا
وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ
لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا
وَلَهُمْ» ([1]).
وقد انكشف لكثير من الناس ذلك حتى سمعوا صوت المُعذَّبين في قبورهم، ورَأَوْهم بعيونهم يُعذَّبون في قبورهم في آثار كثيرة معروفة، ولكن لا يجب ذلك أن يكون دائمًا على البدن في كل وقت، بل يجوز أن يكون في حال، وفي «الصَّحيِحين» عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بَدْر ثلاثًا، ثم أتاهم فقام عليهم قال: «يَا أَبَا جَهْلِ ابْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فسمع عمر رضي الله عنه قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يسمعون وقد جُيِّفُوا؟! فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا» ([2]) ثم أمر بهم فسُحِبُوا فأُلقُوا في قَلِيب بَدْر.
([1])أخرجه: مسلم رقم (974).