×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وأما إبراهيم وموسى وغيرهما فهم مدفونون في الأرض، والمسيح - صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء - لا بد أن ينزل إلى الأرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيقتل الدجال ويَكْسِر الصليب، ويقتل الخنزير، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصَّحيِحة، ولهذا كان في السماء الثانية مع أنه أفضل من يوسف وإدريس وهارون؛ لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره، وآدم كان في سماء الدنيا؛ لأن نَسَمَ بنيه تَعَرَّف عليه أرواح السعداء، والأشقياء لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجَمَل في سَمِّ الخِيَاط؛ فلا بد إذا عرضوا عليه أن يكون قريبًا منهم.

وأما كونه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره، ورآه في السماء أيضًا؛ فهذا لا منافاة بينهما؛ فإن الأرواح من جنس أمر الملائكة في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالمَلَك ليست في ذلك كالبَدَن، وهذه الصَّلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يُنعَّم أهل الجنة بالتسبيح؛ فإنهم يُلهمون التسبيح كما يُلهم الناس في الدنيا النَّفَس.

هذا ليس من عمل التكليف الذي يُطلب له ثوابٌ منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به، وقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ؛: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([1])؛ يريد به العمل الذي يكون له ثواب لم يُرَد به نَفْسُ العمل الذي يتنعم به؛ فإن أهل الجنة يتنعمون بالنظر إلى وجه الله ويتنعمون بذكره وتسبيحه ويتنعمون بقراءة القرآن،


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1631).