×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

البِشَارة على ثلاثة: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ الحُلُم، وأنه يكون حليمًا، وأي حِلْم أعظم من حِلْمه حين عرض عليه أبوه الذبح؟! فقال: {سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ[الصافات: 102]، وقيل: لم يَنْعَت الله الأنبياء بأقل من الحِلْم، وذلك لعِزَّة وجوده، ولقد نَعَتَ إبراهيمَ به في قوله تعالى: {إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ[التوبة: 114] {إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٞ مُّنِيبٞ[هود: 75]؛ لأن الحادثة شهدت بحِلْمِهما {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ[الصافات: 102] إلى قوله: {وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧ وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ ١٠٨ سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ١٠٩ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١١٠ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١١١[الصافات: 107- 111]، {وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١١٢وَبَٰرَكۡنَا عَلَيۡهِ وَعَلَىٰٓ إِسۡحَٰقَۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحۡسِنٞ وَظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ مُبِينٞ ١١٣[الصافات: 112- 113]؛ فهذه القصة تدل على أنه إسماعيل من وجوه:

أحدهما: أنه بَشَّره بالذبيح وذكر قصته أولاً، فلما استوفى ذلك قال: {وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ[الصافات: 112] فبين أنهما بِشَارتان: بِشَارة بالذبيح، وبِشَارة ثانية بإسحاق، وهذا بَيّن.

الثاني: أنه لم يذكر قصة الذبيح في القرآن إلاَّ في هذا الموضع، وفي سائر المواضع يذكر البشارة بإسحاق خاصة، كما في سورة هود من قوله تعالى: {وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ[هود: 71]؛ فلو كان الذبيح إسحاق لكان خُلْفًا للوعد في يعقوب، وقال تعالى: {فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ ٢٨ فَأَقۡبَلَتِ ٱمۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمٞ ٢٩[الذاريات: 28- 29]، وقال


الشرح