تعالى في سورة الحجر: {قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ ٥٣قَالَ
أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ٥٤قَالُواْ
بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ ٥٥﴾[الحجر: 53-
55]، ولم يذكر أنه الذبيح، ثم لما ذكر البشارتين جميعًا: البشارة بالذبيح،
والبشارة بإسحاق بعده؛ كان هذا من الأدلة على أن إسحاق ليس هو الذبيح، ويؤيد ذلك
أنه ذكر هبته وهبة يعقوب لإبراهيم في قوله تعالى: {وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ
وَيَعۡقُوبَ نَافِلَةٗۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا صَٰلِحِينَ﴾[الأنبياء: 72]،
ولم يذكر الله الذبيح.
الوجه الثالث: أنه
ذكر في الذبيح أنه غلام حليم، ولما ذكر البِشَارة بإسحاق ذكر البشارة بغلام عليم
في غير هذا الموضع، والتخصيص لا بد له من حكمة، وهذا مما يقوي اقتران الوصفين،
والحِلْم هو مناسب للصبر الذي هو خُلُق الذبيح، وإسماعيل وُصف بالصبر في قوله
تعالى: {وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[الأنبياء: 85]، وهذا أيضًا وجه ثالث؛ فإنه قال في الذبيح: {يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[الصافات: 102] وقد وصف الله إسماعيل أنه من الصابرين، ووصف
الله تعالى إسماعيل بصدق الوعد في قوله تعالى: {إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ﴾[مريم: 54]؛ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفَّى به.
الوجه الرابع: أن
البشارة بإسحاق كانت معجزة؛ لأن العجوز عقيم، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: {قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾[الحجر: 54]، وقالت امرأته: {ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا
بَعۡلِي شَيۡخًاۖ﴾[هود: 72].
وقد سبق أن البشارة بإسحاق في حال الكِبَر، وكانت البشارة مشتركة