بين إبراهيم وامرأته، وأما
البشارة بالذبيح فكانت لإبراهيم عليه السلام، وامتُحن بذبحه دون الأم المُبشَّرة
به، وهذا مما يوافق ما نُقل عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في «الصَّحيِح»
([1])، وغيره: من أن إسماعيل لما ولدته هاجر غارت سارة؛ فذهب
إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة، وهناك أُمر بالذبح، وهذا مما يؤيد أن هذا الذبيح
دون ذلك.
ومما يدل على أن الذبيح ليس هو إسحاق أن الله تعالى قال: {فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ﴾[هود: 71] فكيف يأمر بعد ذلك بذبحه؟! والبشارة بيعقوبَ تقتضي أن
إسحاقَ يعيش ويُولد له يعقوب، بل يعقوب إنما وُلد بعد موت إبراهيم عليه السلام،
وقصة الذبيح كانت في حياة إبراهيم بلا ريب، ومما يدل على ذلك أن قصة الذبيح كانت
بمكة، والنَّبيّ صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة كان قَرْنَا الكَبْش في الكعبة،
فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم للسَّادِن: «إِنِّي آمُرُكَ أَنْ تُخَمِّرَ قَرْنَيِ الْكَبْشِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ فِي الْقِبْلَةِ مَا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ» ([2])، ولهذا جُعلت مِنًى مَحِلًّا للنُّسُك من عهد إبراهيم
وإسماعيل عليهما السلام، وهما اللذان بنيا البيت بنص القرآن، ولم ينقل أحد أن
إسحاق ذهب إلى مكة لا من أهل الكتاب ولا غيرهم، لكن بعض المؤمنين يزعمون أن قصة
الذبح كانت بالشام ! فهذا افتراء؛ فإن هذا لو كان ببعض جبال الشام لعُرف ذلك
الجبل، وربما جُعل مَنْسَكًا كما جُعل المسجد الذي بناه إبراهيم وما حوله من
المشاعر.
انتهى ما ذكره الشيخ في قصة الذبيح، ومنه اتضح أن الذبيح
إسماعيل عليه السلام.
***
([1])أخرجه: البخاري رقم (3364).
الصفحة 4 / 458