أو غير ذلك؛ فهو من المتفلسفة المُلْحِدِين أو من إخوانهم
المتكلِّمين المبتدعين؛ فإن هذا يقوله من يقول من المتفلسفة والمعتزِلة.
والكتاب والسُّنة يرد هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على
بطلان هذا القول، قال تعالى: {وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ
لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ
٣٤وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا
حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ
٣٥﴾[البقرة: 34-
35] إلى قوله: {وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ
مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ﴾[البقرة: 36]؛ فأخبر أنه سبحانه أمرهم بالهبوط وأن بعضهم
عدو لبعض، ثم قال: {وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ
وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ﴾[البقرة: 36]، وهذا يبين أنهم لم يكونوا في الأرض وإنما
أُهبطوا إلى الأرض؛ فإنهم لو كانوا في الأرض وانتقلوا إلى أرض كانتقال قوم موسى من
أرض إلى أرض لكان مُستقرُّهم ومتاعُهم إلى حين في الأرض قبل الهبوط وبعده، وكذلك
قال في الأعراف لما قال إبليس: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ
إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ
مِن طِينٖ ١٢قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا
فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ١٣﴾[الأعراف: 12- 13]، فقوله: {قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا يَكُونُ
لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ﴾[الأعراف: 13] يبين اختصاص السماء بالجنة بهذا الحكم؛ فإن
الضمير في قوله: {مِنْهَا﴾عائد إلى معلوم غير مذكور في اللفظ، وهذا بخلاف قوله: {ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ﴾[البقرة: 61]؛
فإنه لم يذكر هناك ما أُهبطوا فيه وقال هنا: {ٱهۡبِطُواْ }؛ لأن الهبوط
يكون من عُلْو إلى سُفْل، وعند أرض السَّراة حيث كان بنو إسرائيل حِيَال السَّراة
المُشْرفة على المِصْر الذي يهبطون إليه، ومن هبط من واد إلى جبل قيل له: هبط.
***
الصفحة 4 / 458