×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وقد ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الخَمْرَةَ، وَعَاصِرِهَا وَمُعْتَصِرِهَا، وَحَامِلِهَا وَسَاقِيهَا وَشَارِبِهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا، وَآكِلِ ثَمَنِهَا» ([1]).

وصح عنه أنه كان على عهد رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم من يكثر شربها يدعي حمارًا، وكان كلما أتي به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم جلده، فأتي به إليه ليجلده فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ([2])، وقد لعن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم شارب الخمر عمومًا ونهى عن لعنه المؤمن المعين.

كما أننا نقول ما قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا[النساء: 10] فلا ينبغي لأحد أن يشهد لواحد بعينه أنه في النَّار؛ لإمكان أن يتوب، أو يغفر له الله بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، أو يعفو الله عنه أو غير ذلك.

فهكذا الواحد من الملوك، وإن كان صدر منه ما هو ظلم فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه ونشهد له بالنَّار، ومن دخل في ذلك كان من أهل البدع والضلال؛ فكيف إذا كان لرجل حسنات عظيمة يرجى له بها المغفرة مع ظلمه، كما ثبت في صَحِيح البخاري عن ابن عمر عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو قَسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُ» ([3])، وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن مُعَاوِية وكان معه في الغزاة أبو أيوب الأنصاري وتوفي هناك وقبره هناك إلى الآن.


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (3674)، وابن ماجه رقم (3380)، وأحمد رقم (2897).

([2])أخرجه: البخاري رقم (6780).

([3])أخرجه: البخاري رقم (2924).