×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

أو تعود على ما بقي؟ كما هو قول عمر وغيره من أكابر الصَّحابَة وهو مذهب مالك والشَّافعِي وأحمد في المشهور عنه، بناء على أن إصابة الزوج الثاني إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثالث فهو الذي يرتفع بها، والمطلقة دون الثلاث لم تحرم فلا ترفع الإصابة منها شيئًا، فأفتى أبو هُريْرَة بهذا القول ثم سأل عمر فأقره على ذلك، وقال: لو أفتيت بغيره لأوجعتك ضربًا.

وكذلك أفتى أبو هُريْرَة في دقائق مسائل الفقه مع فقهاء الصَّحابَة كابن عباس وغيره، وأقواله المنقولة عنه في فتاويه تدل على ذلك، وإذا كان عمر وعلي أفقه من عمران بن حصين وأبي موسى الأشعري؛ لم يخرجا بذلك من الفقه، وكذلك إذا كان معاذ وابن مسعود ونحوهما أفقه من أبي هُريْرَة وعبْد اللهِ بن عمر ونحوهما؛ لم يخرجا بذلك من الفقه.

الوجه الثاني: أن يقال لهذا المعترض: جميع علماء الأمة عملت بحديث أبي هُريْرَة فيما يخالف القياس والظاهر؛ كما عملوا جميعهم بحديث عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا» ([1]).

وعمل أبو حنيفة مع الشَّافعِي وأحمد وغيرهما بحديثه عن النَّبيّ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ,فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» ([2])، مع أن القياس عند أبي حنيفة أنه يفطر فترك القياس لحديث أبي هُريْرَة، ونظائر ذلك تطول.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (5109)، ومسلم رقم (1408).

([2])أخرجه: البخاري رقم (1933)، ومسلم رقم (1155).