×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ومالك والشَّافعِي وأحمد عملوا بحديث أبي هُريْرَة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا ([1])، مع أن القياس عند مالك أنه لا يغسل لأنه طاهر عنده.

بل الأئمة يتركون القياس لما هو دون حديث أبي هُريْرَة؛ كما ترك أبو حنيفة القياس في مسألة القهقهة بحديث مرسل لا يعرف من رواه من الصَّحابَة، وحديث أبي هُريْرَة أثبت منه باتفاق الأمة.

الوجه الثالث: أن يقال: المحدث إذا حفظ اللفظ الذي سمعه لم يضره أن لا يكون فقيهًا، كالملقنين بحروف القرآن وألفاظ التشهد والأذان ونحو ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْه، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ([2]).

وهذا بين في أنه يؤخذ حديثه الذي فيه الفقه من حامله الذي ليس بفقيه، ويؤخذ عمن هو دونه في الفقه، وإنما يحتاج في الرواية إلى الفقه إذا كان قد روي بالمعنى، فخاف أن غير الفقيه يغير المعنى وهو لا يدري، وأبو هُريْرَة كان من أحفظ الأمة، وقد دعا ([3]) له النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بالحفظ، قال: فلم أنس شيئًا سمعته بعد، ولهذا روى حديث المصراة ([4])، وغير بلفظ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (172)، ومسلم رقم (279).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (3660)، والترمذي رقم (2656)، وابن ماجه رقم (230).

([3])أخرجه: البخاري رقم (2350)، ومسلم رقم (2492).

([4])أخرجه: البخاري رقم (2148)، ومسلم رقم (1524).