حقيقة، وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك - الجعدُ بنُ
درهمٍ وأخذها عنه درهمٌ وأخذها عنه الجهمُ بنُ صفوان وأظهرَها فنُسِبتْ مقالةُ الجَهْمِيَّةِ
إليه، وقد قيل: إنَّ الجعدَ أخذ مقالتَه عن أبانِ بنِ سمعان وأخذها أبانُ عن
طالوتَ ابنِ أختِ لبِيد بنِ الأعصمِ اليهودي الذي سحرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
([1])، وكان الجعدُ بنُ درهم هذا - فيما قيل - من أهلِ حرَّان
وكان فيهم خلْقٌ كثيرٌ من الصَّابِئةِ والفَلاسِفة؛ بقايا أهلِ دينِ نمروذ
والكنعانيين الذين صنَّفَ بعضُ المتأخرين في سحْرِهم، ونمروذُ هو ملكُ الصابئيةِ
الكلدانيين المشركين، كما أنَّ كسرى ملِكُ الفرسِ والمجوس وفرعونَ ملكُ القبطِ
الكفارِ، والنَّجاشيَّ ملكُ الحبشة، وبطليموس ملكُ اليونان وقيصرَ ملِكُ الرُّوم؛
فهو اسْمُ جنسٍ لا اسمَ عَلَم.
فكانتِ الصَّابئةُ إلاَّ قليلاً منهم إذ منهم إذْ ذاكَ على
الشِّركِ وعلماؤُهم همُ الفَلاسِفة، وإن كان الصابئُ قد لا يكونُ مشركًا بل مؤمنًا
باللهِ واليومِ الآخرِ كما قال اللهُ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ
هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ
وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[البقرة: 62] لكنَّ كثيرًا منهم أو أكثرَهم كانوا كفارًا
أو مشركين، كما أن كثيرًا من اليهودِ والنصارى بدَّلوا وحرَّفوا وصاروا كفارًا أو
مشركين، فأولئك الصابِئُون الذين كانوا إذ ذاك كُفَّارًا أو مشركين وكانوا يعبدون
الكواكبَ ويبنُون لها الهياكِل.
ومذهبُ النُّفاةِ من هؤلاءِ في الربِّ أنه ليس له إلاَّ صفاتٌ سلبيةٌ أو إضَافِيَّةٌ أو مُركَّبةٌ منها، وهم الذين بُعِثَ إليهم إبراهيمَ الخليلَ صلى الله عليه وسلم، فيكونُ الجعدُ قد أخذَ عن الصابئةِ الفلاسفة، وكذلك أبو نصرٍ الفارابي
([1])أخرجه: البخاري رقم (3278)، ومسلم رقم (2189).
الصفحة 4 / 458