×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

الفرقُ بين مذهبِ السَّلفِ ومذهبِ

الخَلَفِ في الصِّفات

أبدي الشيخُ رحمه الله مقارنةً بين مذهبِ السَّلفِ في أسماءِ اللهِ وصفاتِه وبيَّنَ مذاهبَ مخالفيهم، فقال: ومذهبُ السَّلفِ بينَ التعطيلِ والتَّمثيل؛ فلا يُمثِّلونَ صفاتِ اللهِ بصفاتِ خلقِه كما لا يُمثِّلونَ ذاتَه بذاتِ خلقِه، ولا يَنفُونَ عنه ما وصَفَ به نفسَه ووصَفَه به رسولُه فيُعطِّلُوا أسماءَه الحُسْنى وصفاتِه العُليا، ويُحرِّفوا الكلِمَ عن مواضِعِه ويلُحِدُوا في أسماءِ اللهِ وآياتِه، وكُلُّ واحدٍ من فَريقَي التَّعْطيلِ والتَّمْثيلِ فهو جامعٌ بينَ التعطيلِ والتمثيل، أما المُعطِّلونَ فإنَّهم لم يفْهَموا من أسماءِ اللهِ وصفاتِه إلاَّ ما هو اللائقُ بالمَخْلوقِ ثم شَرَعوا في نَفي تلكَ المَفهومات؛ فقد جَمَعُوا بينَ التعطيلِ والتمثيل، مثَّلُوا أولاً وعطَّلُوا آخِرًا، هذا تشبيهٌ وتمثيلٌ منهم للمفهومِ من أسمائِه وصفاتِه بالمفهومِ من أسماءِ خلقِه وصفاتِهم، وتعطيلٌ لما يستحقُّه هو سبحانَه من الأسماءِ والصِّفاتِ اللائقةِ باللهِ سبحانه وتعالى.

فإنه إذا قال القائلُ: لو كان اللهُ فوقَ العرشِ لَلَزِمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ من العَرش، أو أصغرَ منه أو مساويًا! وكُلُّ ذلكَ من المحال، ونحو ذلكَ من الكَلام؛ فإنه لم يُفهمْ من كوْنِ اللهِ على العرشِ إلاَّ ما يُثبَت لأيِّ جسمٍ كان على أيِّ جسْمٍ كان، وهذا اللازمُ تابعٌ لهذا المفهوم، أمَّا استواءٌ الله يليقُ بجلالِ اللهِ تعالي ويختصُّ به فلا يلزَمُه شيءٌ من اللوازمِ الباطلة، التي يجِبُ نفيُها كما يلزَمُ من سائرِ الأجسام، وصار هذا مثلَ قولِ المُمَثِّل: إذا كان للعالمِ صانعٌ فإمَّا أن يكونَ جوهرًا أو عرضًا وكلاهما مُحَال، إذ لا يَعقِلُ موجودٌ إلاَّ هذان!!


الشرح