وقوله: إذا كان مسْتويًا
على العَرْشِ فهو مُماثلٌ لاستواءِ الإنسانِ على السريرِ والفُلْك، إذا لا يُعلَمُ
الاستواءُ إلاَّ هكذا؛ فإنَّ كليهما مَثَّل، وكليهما عَطَّل حقيقةَ ما وصفَ اللهُ
به نفسَه، وامتازَ الأولُ بتعطيلِ كلِّ اسمٍ للاستواءِ الحقيقي وامتازَ الثاني
بإثباتِ استواءٍ هو من خصائصِ المخلوقين.
والقولُ الفاصلُ هو ما عليه الأمةُ الوسطُ من أنَّ اللهَ مستوٍ على عرشِه استواءً يليقُ بجلالِه ويختصُّ به، فكما أنَّه موصوفٌ بأنَّه بكلِّ شيءٍ عليم، وعلى كلِّ شيءٍ قدير، وأنه سميعٌ بصيرٌ ونحو ذلك، ولا يجوزُ أنْ يثبت للعلم ِوالقدرةِ خصائص الأعراض التي لعلمِ المخلوقين وقدرتِهم؛ فكذلك هو سبحانه فوقَ العرشِ ولا يثبت لفوقيتِه خصائص فوقية المخلوقِ على المخلوقِ ولوازمها، واعلم أنه ليس في العقلِ الصريحِ ولا في شيءٍ من النقلِ الصحيحِ ما يُوجِبُ مخالفةَ الطريقةِ السَّلفيةِ أصلاً، ثم المخالفون للكتابِ والسُّنةِ وسلفِ الأمةِ من المُتأَوِّلين لهذا البابِ من أمرٍ مريج؛ فإنَّ منْ أنكرَ الرؤيةَ يزعُمُ أنَّ العقلَ يحيلها وأنه مُضْطرٌّ فيها إلى التأويل، ومن يُحيلُ أنَّ للهِ علمًا وقُدرة، وأن يكونَ كلامُه غيرَ مخلوقٍ ونحو ذلك يقول: إنَّ العقلَ أحالَ ذلك فاضْطُر إلى التأويل، وبل منْ يُنكِرْ حقيقةَ حشرِ الأجسادِ والأكلِ والشربِ الحقيقي في الجَنَّةِ يزعُمْ أنَّ العقلَ أحالَ ذلك، وأنه مُضطر إلى التأويل، ومنْ يزعُم أنَّ اللهَ ليس فوقَ العرشِ يزعمْ أنَّ العقلَ أحال ذلك، وأنه مُضطر إلى التأويل، ومن يزعُمْ أنَّ اللهَ ليس فوقَ العرشِ يزعُمْ أنَّ العقلَ أحالَ ذلك، وأنه مُضطرٌّ إلى التأويل، ويكفيك دليلاً على فسادِ قولِ هؤلاء أنه ليس لواحدٍ منهم قاعدةٌ مستَمِرةٌ فيما يُحيلُه العقل؛ بل منهم من يَزعُمْ أنَّ العقلَ جوَّزَ وأوجبَ ما يدَّعي الآخرُ أنَّ العقلَ أحاله، فيا ليتَ شعري