×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 بأيِّ عقلٍ يُوزَن الكتابُ والسُّنة! فرضِي اللهُ عن الإمامِ مالكٍ بنِ أنسٍ حيث قال: أوَ كُلَّما جاءنا رجلٌ أجدَلُ من رجلٍ تركنا ما جاء به جبريلُ إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم لجدلِ هؤلاء؟.

·        وكلُّ من هؤلاء مخصوم بما خصم به الآخر، وهو من وجوه:

أحدها: بيان أنَّ العقلَ لا يُحيل ذلك.

والثاني: أنَّ النصوصَ الواردة َلا تحتملُ التأويل.

والثالث: أنَّ عامةَ هذه الأمورِ قد علِم أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم جاء بها بالاضْطرار؛ كما أنه جاء بالصلواتِ الخمسِ وصومِ شهرِ رمضان، فالتأويلُ الذي يُحيلها عن هذا بمنزلةِ تأويلِ القرامطةِ والباطِنِيَّةِ في الحَجِّ والصلاةِ والصوم، وسائرِ ما جاءتْ به النُّبُوَّات.

والرابع: أن يُبينَ أنَّ العقلَ الصريحَ يُوافقُ ما جاءتْ به النصوص، وإنْ كان في النصوصِ من التفضيلِ ما يعجزُ العقلُ عن دركِ التفصيل، وإنما يعلمُه مُجملاً، إلى غيرِ ذلكَ من الوجوه.

على أنَّ الأساطين والفحولَ من هؤلاء معترِفون بأنَّ العقلَ لا سبيلَ له إلي اليقينِ في عامةِ المطالبِ الإلهية، وإذا كان هكذا فالواجبُ تلقِّي علمِ ذلك من النُّبُوات على ما هو عليه، ومن المعلومِ للمؤمنين أنَّ اللهَ تعالي بعثَ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهُدى ودينِ الحقِّ ليظهرَه على الدِّينِ كلِّه وكفى باللهِ شهيدا، وأنه بيَّنَ للناسِ ما أخبرَهم به من أمورِ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخر، والإيمانُ باللهِ واليومِ الآخرِ يتضمنُ الإيمانَ بالمبدأِ والمعاد، وهو الإيمانُ بالخَلْقِ والبَعْثِ كما جمَعَ بينهما في قولِه تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ[البقرة: 8]، وقال تعالى: {مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ[لقمان: 28]


الشرح