بالله واليومِ الآخرِ من المرسَلين، وهذه مقالةُ غُلاَةِ المُلْحِدين
من الفَلاسفةِ والباطِنِيَّة؛ باطنيةِ الشيعةِ وباطنيةِ الصُّوفية، ومنهم من يقول:
بل الرسولُ عَلِمَها لكن لم يُبيِّنْها وإنما تكلَّمَ بما يُناقِضُها، وأرادَ من
الخلْقِ فهْمَ ما يُناقِضُها؛ لأنَّ مصلحةَ الخلْقِ في هذه الاعتقاداتِ التي لا
تُطَابقُ الحق!
ويقولُ هؤلاء: يجِبُ على الرسولِ أن يدعوَ الناسَ إلى اعتقادِ
التَّجْسيمِ مع أنه باطل، وإلى اعتقادِ معاد الأبدان مع أنه باطِل، ويُخبرُهم
بأنَّ أهلَ الجنةِ يأكلون ويشربون مع أنَّ ذلك باطل، قالوا: لأنَّه لا يُمكنُ
دعوةُ الخَلْقِ إلاَّ بهذه الطريقةِ التي تَتَضمنُ الكذبَ لمصْلَحةِ العباد؛ فهذا
قولُ هؤلاء في نصوصِ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخر.
وأمَّا الأعمالُ فمنهم من يُقِرُّها ومنهم من يُجْريها هذا
المَجري ويقول: إنما يُؤمَرُ بها بعضُ الناسِ دونَ بعضٍ ويُؤمرُ بها العامةُ دونَ
الخَاصَّة؛ فهذه طريقةُ الباطنيةُ الملاحدةُ والإسماعيليةُ ونحوهم.
وأما أهلُ التأويلِ: فيقولون: إنَّ النصوصَ الواردةَ في الصفاتِ لم يقصدْ بها
الرسولُ أن يعتقدَ الناسُ الباطل، ولكن قصدَ بها معاني ولم يُبيِّنْ لهم تلكَ
المعاني ولا دَلَّهم عليها، ولكن أرادَ أنْ ينظروا فيعرفوا الحقَّ بعقولِهم، ثم
يجتهدوا في صرْفِ النصوصِ عن مدلولِها، ومقصودُه امتحانُهم وتكليفُهم وإتعابُ
أذهانِهم وعقولِهم في أنْ يصرفوا كلامَه عن مدلولِه ومقتضاه، ويُعرفُ الحقُّ من
غيرِ جهتِه! وهذا قولُ المُتَكلِّمةِ والجهميةِ والمعتزلةِ ومن دخَلَ معهم في شيءٍ
من ذلك.
والذين قصدنا الردَّ عليهم في هذه الفُتْيا هم هؤلاء إذ كان نفورُ الناسِ عن الأوَّلين مشهورًا، بخلافِ هؤلاء فإنهم تظاهروا بنصرِ السُّنةِ