في مواضِعَ كثيرةٍ وهم في
الحقيقةِ لا للإسلامِ نصروا ولا للفلاسفةِ كسروا، لكن أولئك الملاحدةُ ألزَمُوهم
في نصوصِ المعادِ نظيرَ ما ادَّعوه في نصوصِ الصفاتِ فقالوا لهم: نحن نعلمُ
بالاضطرارِ أن الرُّسلَ جاءوا بمعادِ الأبدان، وقد علِمْنا الشُّبَهَ المانعةَ
منه.
وأهلُ السُّنةِ يقولون لهم: ونحن نعلمُ بالاضطرارِ أنَّ الرسلَ جاءتْ بإثباتِ الصفاتِ ونصوصُ
الصفاتِ في الكتبِ الإلهيةِ أكثرُ وأعظمُ من نصوصِ المعاد، ويقولون لهم: معلومٌ
أنَّ مشركي العربِ وغيرِهم كانوا ينكرون المَعاد، وقد أنكروه على الرسولِ
وناظَرُوه عليه، بخلافِ الصِّفات، فإنه لم يُنكرْ شيئًا منها أحدٌ من العرب؛ فعلِم
أنَّ إقرارَ العقولِ بالصفاتِ أعظمُ من إقرارِها بالمَعاد، وأنَّ إنكارَ المَعادِ
أعظمُ من إنكارِ الصِّفات، فكيفَ يجوزُ مع هذا أنْ يكونَ ما أخبرَ به من الصِّفات،
ليس كما أخبرَ به، وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به؟
وأيضا فقد علِم أنه صلى الله عليه وسلم قد ذمَّ أهلَ الكتابِ على ما حرَّفوه وبدَّلوه، معلومٌ أنَّ التوراةَ مملوءةٌ من ذِكرِ الصِّفات؛ فلو كان هذا مما بدَّل وحرَّف لكانَ إنكارُ ذلكَ عليهم أولى! فكيف، وكانوا إذا ذكروا الصِّفاتِ بين يديه يضحكُ تَعَجُّبًا منهم وتصديقًا لهم، ولم يعبْهم قط بما تَعيبُ به النفاةُ أهلَ الإثبات؛ مثل التجسيمِ والتشبيه ونحو ذلك؟ بل عابَهم بقولِهم: {يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ﴾[المائدة: 64] وقولهم: {إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ﴾[آل عمران: 181] وقولهم: إنه استراحَ يومَ السبت لمَّا خلقَ السماواتِ والأرض، فقال تعالى: {وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ﴾[ق: 38]، والتوراةُ مملوءةٌ من الصفاتِ المطابقةِ للصفاتِ المذكورةِ في القرآنِ والحديث، وليس فيها تصريحٌ
الصفحة 3 / 458