الاحتمالِ الراجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ لدليلٍ يقترِنُ بذلك،
فلا يكونُ معنى اللفظِ الموافِقِ لدلالةٍ ظاهرةٍ تأويلا على اصطلاحِ هؤلاء، وظنوا
أن مُرادَ اللهِ تعالى بلفظِ التأويلِ ذلك، وأنَّ للنصوصِ تأويلاً يُخالِفُ
مدلولَها لا يعلمُه إلاَّ اللهُ ولا يعلمُه المتأولون، ثم كثيرٌ من هؤلاءِ يقولون:
تجري على ظاهرِها، فظاهرُها مُرادٌ مع قولِهم: إنَّ لها تأويلاً بهذا المعنى لا
يعلمُه إلاَّ الله، وهذا تناقضٌ وقعَ فيه كثيرٌ من هؤلاءِ المنتسبين إلى أصحابِ
الأئمةِ الأربعةِ وغيرهم.
والمعنى الثاني: أنَّ
التأويلَ هو تفسيرُ الكلامِ سواءٌ وافقَ ظاهرَه أو لم يُوافقْه، وهذا هو التأويلُ
في اصطلاحِ جمهورِ المفسرين وغيرِهم، وهذا التأويلُ يعلمُه الراسخون في العلمِ وهو
موافقٌ لوقْفِ من وَقَفِ من السَّلفِ على قولِه: {وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ
إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ﴾[آل عمران: 7]،
كما نُقِلَ ذلك عن ابنِ عباسٍ ومُجاهدٍ ومحمدٍ بنِ جعفر بنِ الزبير ومحمد بن إسحاق
وابن قتيبة وغيرهم، وكلا القولين حقٌّ باعتبار، ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا
وكلاهما حق.
والمعنى الثالث: أنَّ التأويلَ هو الحقيقةُ التي يَؤُولُ الكلامُ إليها، وإنْ وافقتْ ظاهرَه فتأويلُ ما أخبرَ اللهُ به في الجنةِ من الأكلِ والشُّربِ واللباسِ والنكاحِ وقيامِ السَّاعة، وغيرِ ذلك هو الحقائقُ الموجودةُ أنفسُها، لا ما يُتَصوَّرُ من معانيها في الأذهانِ ويُعبَّرُ عنه باللسان، وهذا هو التأويلُ في لغةِ القرآنِ، كما قال تعالى عن يوسفَ أنه قال: {وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ﴾[يوسف: 100]، وقال تعالى: {هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ﴾[الأعراف: 53]، وقال تعالى: {فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ