فَرُدُّوهُ
إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ
ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾[النساء: 59]،
وهذا التأويلُ هو الذي لا يعلمُه إلاَّ الله.
وتأويلُ الصفاتِ هو الحقيقةُ التي انفردَ اللهُ تعالى بعلمِها
وهو الكيفُ المجهولُ الذي قال فيه السلفُ كمالكٍ وغيرِه: الاستواءُ معلوم، والكيف
مجهول، فالاستواءُ معلومٌ يُعلمُ معناه ويُفسَّرُ ويُترجَمُ بلُغةٍ أخرى، وهو
من التأويلِ الذي يعلمُه الرَّاسخون في العلم.
وأما كيفيةُ ذلكَ الاستواءِ فهو التأويلُ الذي لا يعلمُه إلاَّ اللهُ تعالى، وقد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ ما ذكرَه عبدُ الرزَّاق وغيرُه في تفسيرِهم عنه أنه قال: تفسيرُ القرآنِ على أربعةِ أوجُهٍ: تفسيرٌ تعرفُه العربُ من كلامِها، وتفسيرٌ لا يُعذَرُ أحدٌ بجهالتِه وتفسيرٌ يعلَمُه العلماء، وتفسيرٌ لا يعلَمُه إلاَّ اللهُ عز وجل فمَن ادَّعى علمَه فهو كاذب، وهذا كما قال تعالى: {فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[السجدة: 17]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول اللهُ تعالى: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ([1])، وكذلك عِلْمُ وقتِ السَّاعةِ ونحو ذلك، فهذا من التأويلِ الذي لا يعلمُه إلاَّ اللهُ تعالى، وإن كنَّا نفهمُ معاني ما خُوطِبنا به ونَفهمُ من الكلامِ ما قصدَ إفهامَنا إياه، كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾[محمد: 24] وقال: {أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ﴾[المؤمنون: 68]، فأَمرَ بتدبُّرِ القرآنِ كلِّه لا بتدبُّرِ بعضِه، وقال أبو عبدِ الرحمنِ السُّلَّمِي: حدَّثنَا الذين كانوا يُقْرئُونَنا القرآن، عثمانُ بنُ عفَّانَ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ وغيرُهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يجاوزوها حتى يتعلَّموا ما فيها
([1])أخرجه: البخاري رقم (3244)، ومسلم رقم (2824).